امتازت هذه الفترة بظهور مدارس فلسفية جديدة، اعترفت بقيمة الإنسان، وثارت على احتقاره والتقليل من شأنه، فمجدت الإنسانية وأقرت للبشر حق السعادة، وأنكرت تعاليم الكنيسة التي حضت على الزهد، وإنكار حق البدن وإذلاله إذلالا. وقد أعلنها الكاتب الفرنسي رابيليه1 مدوية: أن المرح أهم صفات الإنسان2. أما الحزن والاكتئاب والعبوسي، وهي ما أرادته الكنيسة، فقد ولت أيامها بزوال لعصور الوسطى، وبزوغ فجر النهضة.
ومن الثابت أيضا أن تعاليم الإنسانيين3 قد استمدت من الدراسات الكلاسيكية في الأدب والفلسفة، وخاصة ملاحم هوميروس وفلسفة أرسطو، فتفتحت العيون على انتصار أوليس4 وهو يعلن ذاتيته الإنسانية أمام الآلهة، فكانت هذه الفكرة وأمثالها مما ألهب خيال بترارك وبوكاشيو وتشوسر5 وغيرهم، وعندما ثار الإنسانيون على تعاليم الكنيسة، بتقديسها للفلسفة انتشرت مذاهب الشك والنزعات الفردية، كما نبذت الفلسفة المدرسية6 المبنية على اليقين الديني، وحلت محلها فلسفة عقلية، أتاحت للفرد مجالا للتعبير الحر والبحث، فكانت نهاية للسلطة المطلقة والاستبداد الفكري، وتحطيما للأصنام الثابتة.
فأهم مميزات عصر النهضة -وهو الذي يمثل بيئة المقال الأصلية- نزعة التفكير الفردي والميل إلى المعرفة والرغبة في التجربة. وقد كانت أهم سمات العصر: حب الاستطلاع وتوسيع آفاق المعرفة البشرية، والتعطش إلى الارتباط بالمجهول، بدلا من الخوف منه والإعراض عنه، فخرج المغامرون يستكشفون الأقطار الجديدة في الأمريكتين، وأخذ الفلاسفة يفكرون في مجالات جديدة وبأساليب مبتكرة، كانت الكنيسة تحذرهم منها، وقد تكفل