الحقيقة فن يؤدي وظيفة أخرى مختلفة تماما عن فن المقال الأدبي؟ فإذا كانت الكتابة مضمونا وصياغة، فإن المقال الأدبي يضع الصياغة في المكان الأول، أما المقال الصحفي فإنه يهتم بالمضمون والفكرة التي يرمي إلى إيضاحها في يسر وجلاء. وإذا جاز لنا أن نشبه المقال الأدبي بلوحة زيتية متعددة الألوان، فإن المقال الصحفي صورة من اللونين الأبيض والأسود فقط، ولكنها تعبر عما تريد في وضوح وبساطة وقوة. بل إن المقال الصحفي أشبه شيء بفن الرسم الكاريكاتوري، الذي يعبر عن رأي ما في سرعة وسخرية، ولكن في قوة وحيويه، أما المقال الأدبي فهو صورة معبرة مليئة بالألوان. والواقع أن السرعة -وهي أهم مميزات الكتابة الصحفية- ليست هي المسئولية وحدها عن إخراج المقال الصحفي من حيز الأدب الخالد، إلى مجال الصحافة غير الخالد، بل السبب الأقوى هو أن المقال الأدبي يتصل بالأعماق البشرية، ومن هنا يمكن أن يكون أدبا عالميا يتجاوز الحدود المحلية والزمنية، في حين أن المقال الصحفي يرتبط بالأحداث الجارية والمشكلات الاجتماعية.