لا تترك مجالا، ولا متسعا من الوقت أو الجهد لكي ينتجوا أدبا متعدد الألوان كالذي يتاح للأديب الذي يجد كثيرا من الفراغ. من الثابت أن الأديب أمامه متسع من الوقت ليكتب ما يشاء، وينشره متى يشاء. أما الصحفي فإنه مقيد بالمطبعة ومرتبط بمواعيدها، فهي تلهبه بسوطها، وتوقظه من سباته وكسله، فالأديب قد ينتظر الإلهام، أما الصحفي فعليه أن يكتب بمنتهى السرعة، وفي مواعيد منتظمة انتظاما دقيقا.

ويقول الدكتور طه حسين في نفس المعنى: "ولا بد للأديب أن يروض نفسه، ويسوسها حتى تألف الجهد والعناء والمشقة. ونرى أنها أيسر ما يجب لإنتاج الأدب الرفيع الذي يستحق أن يسمى أدبا. ولا على الأديب أن يغضب أصحاب المطبعة إن أبطأ به الإنتاج عما ضربوا له من موعد، فذلك كله خير له من أنه يتعجل، فيرضي الصحيفة والمطبعة، ويسخط الفن ويفسد معه ذوق كثير من القراء. وهنا تفكر الصحف وتثور فهي لا تستطيع أن تنتظر الأديب حتى يتقن إنتاجه، ويصبح نشره شيئا لا حرج فيه. فمن أراد أن يكتب لها على شرطها فليعمل، ومن أبى إلا أن يكتب إلا على شرط الأديب فليلتمس لنفسه مذهبا آخر من مذاهب النشر"1.

وتتردد هذه المعاني أيضا في قول باحث مصري حديث إذ يقول: "وذهبت الصحافة بالفن الكتابي حتى أحالته إلى فن باهت اللون، لا حظ له من جمال الأصباغ التي تفتن العين. والسبب في ذلك أن الأديب يتاح له من الفراغ ما يجد له من أسباب التأنق والتحذق والتصنع والتفنن على حين أن الصحفي وراءه مطبعة تطالبه بغذائها كل يوم"2.

فهل هناك حقا ما يدعو إلى هذا التحسر على بساطة فن المقال الصحفي ونبذه للألوان المزخرفة والمحسنات المبرقشة؟ أم أن فن المقال الصحفي هو في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015