القوالب جميعا. وقد رأينا أن صياغة التحقيق الصحفي تقترب من الصياغة القصصية من حيث البداية المشوقة الجذابة، ثم الاستطراد من قمة الهرم نحو قاعدته -بعكس قوالب الهرم في الأخبار- بعبارات تؤدي إلى الذروة.
ومثال ذلك هذه الافتتاحية المشهورة في تحقيق عن فائدة التأمين على الحياة: "إن الموت هو شيء طبيعي، ومن الممكن أن يحدث لك الآن، أو بعد قراءة هذا التحقيق، كما أنه من الممكن أن يكون كاتب هذا التحقيق في عداد الأموات حتى قبل أن تصل هذه الصحيفة إلى يدك".
والمهم أن تنتقل من الافتتاحية إلى صلب الموضوع بسلاسة ولباقة تجعل القارئ يسترسل في القراءة، دون ملل. ولا بأس من استخدام الحوار تارة، وتصوير الشخصية تارة أخرى، وكذلك عرض نماذج من الآراء والاتجاهات المختلفة، مع مهارة فنية في التحرير، تجعل الكاتب محركا للأحداث دون أن يقحم نفسه عليها. حتى إذا جاءت الخاتمة كانت منطقية مع صلب التحقيق بآرائه ومعلوماته وحقائقه وصوره وشخصياته.
ومن الواضح أن فن التحقيق الصحفي يرتبط بثلاث دوائر أو حلقات متشابكة هي: سياسة الصحيفة، والصياغة الإنسانية الجذابة، واهتمام القراء. ومهما كانت الفكرة أو الموضوع، فلا بد من الارتباط بسياسة الصحيفة من جهة ودائرة اهتمام القراء من جهة أخرى1.
غير أن الصورة هي التي تعطي للتحقيق الصحفي الحديث وجهه الجديد المميز له عن سائر فنون الصحافة الأخرى حتى يقال إن كل ما هنالك من الفرق بين صحافة الأمس وصحافة اليوم يكمن في الصورة. كما يؤكد ذلك ما يذهب إليه علماء الصحافة المحدثون من أننا نعيش مرة أخرى في حقبة من الزمن هي حقبة الصورة. وقد ترك بعض علماء الأدب من أمثال مارشال ماكلوهان دراساتهم