وفى أذهانهم أقوال العلماء الآخرين ونزاعاتهم فى المسألة، ولذلك فهموا من قول الإمام أنه قول مقابل للأقوال المنقولة عن الأئمة الآخرين، مع أننا نرى أن قوله فى أمر آخر غير أمر الجواز والامتناع والوقوع التى عليها مدار أقوال الآخرين، وإنما هو فى حكم المجتهد بالنسخ: متى يحكم به؟

فالإمام لا يرى للمجتهد الحق بأن يحكم بأن هذه السنة منسوخة بالقرآن، ولا العكس، وإنما يحكم بنسخ السنة إذا وجد سنة مماثلة تصلح ناسخة لها. وآنذاك تكون الآية مقوية للحكم بنسخ تلك السنة.

وكذلك الحال بالنسبة للقرآن: فإن المجتهد لا يحق له أن يحكم بأن الآية منسوخة إلا إذا وجد آية تصلح ناسخة لها، وتكون السنة الواردة فى الموضوع مبينة لكون الآية الناسخة ناسخة والمنسوخة منسوخة، والإمام حين قرر ذلك كان يهدف إلى حماية أحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أى تغيير من قبل من تحدثه بذلك نفسه تحت ستار النسخ. اه.

على كل حال ذكر الأصوليون لهذا المذهب أدلة منها:

1 - قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (?) وهذا يدل على أن كلامه بيان للقرآن والناسخ بيان للمنسوخ، فلو كان القرآن ناسخا للسنة لكان القرآن بيانا للسنة، فيلزم كون كل واحد منهما بيانا للآخر (?). وأجيب عن هذا بأن الآية ليس فيها ما يدل على امتناع نسخ السنة بالقرآن، والمراد بقوله: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ إنما هو التبليغ وذلك يعم تبليغ الناس من القرآن وغيره.

2 - لو نسخت السنة بالقرآن للزم تنفير الناس عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعن طاعته لإيهامهم أن الله تعالى لم يرض ما سنه الرسول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015