وكذلك إن نسخ التحريم فإن كان نسخه بلفظ «افعل». انتقل إلى الفرض لأن هذه صيغة الفرض.
وإن نسخ بقوله لا جناح عليكم، أو بلفظ تخفيف انتقل إلى أقرب المراتب إليه وهى الكراهة.
وإذا نسخت الكراهة أو الندب بلفظ «أفعل» انتقلا إلى الفرض.
وإن نسخا بلفظ «لا تفعل» انتقلا إلى التحريم.
وإن نسخا بلفظ تخفيف انتقلا إلى الإباحة المطلقة لأن الإباحة أقرب إليهما من الفرض والتحريم.
لكن هل يقل نسخ على الأوامر المتعلقة بالأصول؟
الحق أن النسخ إنما يقع فى خصوص ما كان من فروع العبادات والمعاملات، أما غير هذه الفروع من العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات ومدلولات الأخبار المحضة فلا نسخ فيها على الرأى السديد الذى عليه الجمهور. وذلك لأن العقائد حقائق ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل، فبدهى ألا يتعلق بها نسخ، وأما أمهات الأخلاق فلأن حكمة الله فى شرعها ومصلحة الناس فى التخلق بها أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن، ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير. وأما أصول العبادات والمعاملات فلوضوح حاجة الخلق إليهما باستمرار لتزكية النفوس وتطهيرها، ولتنظيم علاقة المخلوق بالخالق والخلق على أساسهما، فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة فى رفعها بالنسخ.
وأما مدلولات الأخبار المحضة فلأن نسخها يؤدى إلى كذب الشارع فى أحد خبريه الناسخ والمنسوخ وهو محال عقلا ونقلا.
أما عقلا فلأن الكذب نقص والنقص عليه تعالى محال.