وعلة ذلك: أن المأمورية هو فعلنا وفعلنا لا يخلو من أحد وجهين:

إما أن يكون قد وقع منا فعلا، وإما أن يكون لم يقع منا بعد.

فإن كان قد وقع منا بعد فقد فنى، لأن أفعالنا أعراض فانية، ولا يجوز أن ينهى عما قد فنى لأنه لا سبيل إلى عودته أبدا. وكذلك لا يجوز أن يؤمر أيضا بما قد فنى، لأنه لا يجوز أن يعود أيضا، ولا يجوز كذلك أن يباح لنا ما قد فنى لأن كل هذا محال.

وان كان لم يقع منا فكيف ينسخ شىء لم يكن بعد؟

وبذلك يتضح لنا جليا أن المرفوع إنما هو الأمر المتقدم وليس الفعل الذى لم نفعله بعد وقوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها (?).

دليل على ذلك حيث يفيد أن الآية هى المنسوخة لا أفعالنا المأمور بها والمنهى عنها. والآية هى الأمر الوارد من الله تعالى بإيجاب ما أوجب، أو تحريم ما حرم، وأما المأمورية فهى حركاتنا وأعمالنا من صلاة وصيام وإقامة حد ونحو ذلك. هذا وقد قال العلماء إن الكلام ينقسم أربعة أقسام:

1 - أمر.

2 - رغبة.

3 - خبر.

4 - استفهام.

فالاستفهام والخبر والرغبة لا يقع فيها نسخ، وإنما يسمى الرجوع عن الخبر والاستفهام استدراكا، وكل ذلك منفى عن الله تعالى، لأن الرجوع عنهما إنما هو تكذيب للخبر المرجوع عنه. وأما الرجوع عن الرغبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015