قيل: هذا لا حقيقة له، وهو كقول من قال: أثبت قيامه بغيره من غير احتياج إلى ذلك المحل الذي من شأنه أن يقوم ما قام فيه، لأن قيامه بالغير ليس كقيام الأجسام والأعراض، وأثبته في غيره لا مماساً له ولا مبايناً له.
لكن هذا الجواب يصح من أهل السنة الذين ينكرون وجود موجود لا مباين للعالم ولا داخل فيه.
وأما من أثبت هذا، فإنه لا يمكنه إبطال قول الحلولية، فإنهم يقولون: كما أثبت موجوداً لا داخل العالم ولا خارجه فأثبته حالاً في الموجودات من غير أن يكون مفتقراً إليها.
فإذا قال: هذا لا يعقل.
قيل: وذاك لا يعقل، بلا تصديق العقل بوجود موجود في العالم غير مفتقر إليه، أقرب من تصديقه بوجود موجود لا داخل العالم ولا مباين له.
ولهذا كان انقياد القلوب إلى قول الحلولية أقرب من انقيادهم إلى قول نفاة الأمرين.
وجمهور الجهمية وعبادهم وصوفيتهم إنما يتكلمون بالحلول.
وإلا فالنفي العام لا تقبله غالب العقول، وإنما يقوله من يقوله من متكلمتهم.
وهؤلاء يخضعون لأرباب الأحوال والعبادات والمعارف من الجهمية الحلولية، ولا يمكنهم الإنكار عليهم بحجة ظاهرة، ويد مبسوطة، بل إما أن يكونوا مقصرين معهم في الحجة، وإما أن يكونوا مقهورين معهم بالحال والعبادة والمعرفة، لأن أولئك في قلوبهم تأله ووجد