وكذلك إذا قلت لهم: كما لا تعقلون قائماً بنفسه إلا مختصاً بجهة وحيز، فلا تعقلون قائماً بنفسه إلا جسماً.

قالوا لك: ونحن نقوم بذلك.

فإذا شرعت معهم في نفي الجسم، كان لهم طريقان: أحدهما: أن يقولوا: هذا قدح في الضروريات بالنظريات: فلا نقبله، كما تقدم.

والثاني: أن يبينوا بطلان أدلة النافية للتجسيم، وأن تعترف ببطلانها.

فأنت في غير موضع من كتبك، ومن تقدمك، كالغزالي وغيره، تبينون فساد حجج المتكلمين على أن كل جسم محدث، وتقدحون فيها بما لا يمكن إبطاله، كما فعلت في المباحث المشرقية والمطالب العالية، بل كما فعل من بعدك الآمدي والآرموي وغيرهما، وأنتم في مواضع أخر تقدحون في حجج من احتج على أن الجسم مركب، وكل مركب فهو مفتقر بذاته، وتقدحون في أدلة الفلاسفة التي احتجوا بها على إمكان كل مركب، كما فعل ذلك الغزالي في تهافت الفلاسفة وكما فعله الرازي والآمدي وغيرهما.

وهذه الحجة - وهي الاحتجاج بكون الرب قائماً بنفسه على كونه مشاراً إليه، وأنه فوق العالم - لما كانت حجة عقلية لا يمكن مدافعتها، وكانت مما ناظر به الكرامية لأبي إسحاق الإسفراييني، فر أبو إسحاق وغيره إلى إنكار كون الرب قائماً بنفسه بالمعنى المعقول،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015