وذلك أن عمدتهم على أن هذه الصفات تستلزم التجسيم وهو باطل، وعمدتهم في نفي التجسيم على امتناع اتصافه بالصفات، ويمسونه التركيب، أو على حدوث الجسم الذي مبناه على أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، وعلى أن ما اختص بشيء فلا بد له من مخصص، من غير فرق بين الواجب بذاته القديم الأزلي وبين غيره، مع العلم بأنه لا بد للموجود الواجب من حقيقة يختص بها يتميز بها عما سواه، وأن ما اختصت به حقيقته يمتنع أن يكون لها مخصص، كما يمتنع أن يكون لوجوده الواجب موجب، أو لعلمه معلم، أو لقدرته مقدور، ونحو ذلك.
وإذا كان كذلك فهؤلاء يقولون لك: الاختصاص بالحيز والجهة إنما كان لكون المختص بها قائما بالنفس، فيكون كل قائم بنفسه مختصاً بالحيز والجهة لذاته المخصوصة، فقد ظهر بطلان ذلك.
وإن قلت: إنما اختص بالجهة المخصوصة والحيز المخصوص لذاته المخصوصة، لم ينازعوك في ذاك، بل يقولون: الاختصاص بجنس الجهة والحيز كان لجنس القيام بالنفس، فجنس الاختصاص لازم لجنس القيام بالنفس، فكل قائم بنفسه مختص بحيز وجهة، فقد تبين أن كونه متحيزاً ذا جهة لازم لعموم كونه جسماً، لا لخصوص جسم معين.
وحينئذ فإن قلت: كما أن الاختصاص بالجهة والحيز من لوازم القيام بالنفس، فهو مستلزم لكونه جسماً.
قالوا لك: ونحن نقول بذلك.