تكون حجج صاحبه أضعف من حجج من هو أقل خطأ منه.
وقول المعطلة لما كان أبعد عن الحق من قول المجسمة، كانت حجج أهل التعطيل أضعف من حجج أهل التجسيم، ولما كان مرض التعطيل أعظم، كانت عناية الكتب الإلهية بالرد على أهل التعطيل أعظم، وكانت الكتب الإلهية قد جاءت بإثبات صفات الكمال على وجه التفصيل، مع تنزيهه عن أن يكون له فيها مثيل، بل يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، ويأتون بإثبات مفصل ونفي مجمل، فيثبتون أن الله حي، عليم، قدير، سميع، بصير، غفور، رحيم، ودود، إلى غير ذلك من الصفات، ويثبتون مع ذلك أنه لا ند له، ولا مثل له، ولا كفو له، ولا سمي له.
ويقول تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] ، ففي قوله: {ليس كمثله شيء} رد على أهل التمثيل، وفي قوله: {وهو السميع البصير} رد على أهل التعطيل.
ولهذا قيل: الممثل يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً.
والمقصود هنا أن هؤلاء النفاة لا يمكنهم إقامة حجة على غلاة المجسمة الذين يصفونه بالنقائص، حتى الذين يقولون ما يحكى عن بعض اليهود أنه بكى على الطوفان حتى رمد، وأنه عض يده حتى جرى منه الدم ندماً، ونحو ذلك من المقالات التي هي من أفسد المقالات وأعظمها كفراً، ليس مع هؤلاء النفاة القائلين بأنه بداخل العالم ولا خارجه حجة عقلية يبطلون بها مثل هؤلاء الأقوال الباطلة، فكيف بما هو دونها من الباطل، فكيف بالأقوال الصحيحة.