العدوان؛ وهو موجودٌ منهما؛ فاقتضى وجوبَ القصاص عليهما. وإِنما تخلَّف الحكمُ عن مقتضيه في حقّ الأب، لمانعٍ مختصِّ به؛ وهو قوله عليه السلام: "لا يُقتَل والدٌ بولده". ومن حيث الحكمة، إِنّ الأب كان سببَ وجودِ الولد، فلا يناسِبُ أن يكون الودُ سببَ عدمه. وهذا قلنا: إِذا مَلَك أباه، عتق عليه؛ لأنّ الرقّ عَدَنٌ حُكميُّ، والجزية وجودٌ حُكميُّ. فوَجب في الحكمة أن يُكافئ والدَه على إِيجاده له حقيقةً بالولادة، بإِيجاده لأبيه حُكمًا بالإعتاق.
وقد أُورِدَ على هذه الحكمة ما إِذا زنى بابنته؛ فإِنّه يُرجَم. فهي إِذن سببُ إِعدامه، مع أنّه سبب إِيجادها. فمن أراد تصحيحَ حكمِ نفيِ القصاصِ عن الأب، قال: "لا يكون الابنُ سببَ إِعدامِه، لحقِّ نفسه؛ فيَخرُج رجمُه بزناه بابنته؛ لأنّ ذلك الحقَّ الله. ولهذا، لو قَتَلها، لم يُقتَل بها؛ لأنّ القصاص حقُّها، أو حقّ وَرَثتِها". وقد يُمنَع هذا أيضًا بناءً على أنّ المانع من القصاص اختصَّ بالأب؛ بقي الأجنبيُّ في وجوب القصاص على أصل المقتضى له.
ومَن أقط القصاصَ عنه، أَلحقه بشريك المخطئ؛ بجامعِ أنّ كلاُّ منهما قصاصٌ منتَفضٌ في الحُكم، أى وَجَب على أحد القاتلَين، دون الآخر؛ فصار شُبهةَ تَدرأُ الحدَّ.
وهو ضعيفٌ. إِذ الفرق بنيهما أنّ المانع من القصاص في حقّ الأب منشأٌ كالأبوة- أي كونه أبًا؛ لما ذكر من الحكمة المناسِبة- والمانع في حقّ المخطئ إِنما هو من جهة فِعله؛ وهو الخطأ. فسرى حكمُ الخطأ من فِعله إِلى فِعل شريكه لاتّحاد محلً الفعلين. فلم يتمحّض العَمد في حقّ الشريك؛ ولم يكن منشأُ المانعِ كونَ المخطئ أجنبيًّا مثلًا، ليختصّ به. ولو كان، لشاركه الآخرُ أيضًا فيما إِذا كان كذلك. فحاصل هذا الفرق أنّ المانع في حقّ الأب راجعٌ إِلى ذاته، فاختصَ به؛ وفي حقّ المخطئ راجعٌ إِلى فِعله، فسرى إِلى فعلِ شريكه.
وأمّا قولهم، "ينقض القصاص شبهةٌ تَدرأُ الحدَّ". قلنا: ليس ذلك مطلقًا. إِنما