وإِحرازِهم؟ الأوّل مُسلَّمٌ. لكن ليس الكلام فيه؛ إِذ لا يُسمّى "غنيمةَ". إِنما الغنيمة ما أُخِذ منهم قهرًا بالقتال، وصار في قبض المسلمين. وحينئذٍ، المسلمون أوصلُ إِلى الانتفاع به من الكفّار. فجازت فسمتُه كسائر أملاكهم.

قوله، "الدار للكفّار؛ فيقدرون على الاسترداد والانتفاع". قلنا: هذا تعليلُ جبانٍ. فإِنّ المؤثّر في الغنيمة إِنما هو السيف، لا قُرب الدار وبُعدها. ويَلزَمهم على هذا أن لا يُجيزوا قسمةَ المسلمين أموال أنفسهم التي جازوا بها من دار الإِسلام في دار الحرب؛ لأنها دار الكفّار؛ فكما يَقدِرون على استنفاذ أموالهم، يَقدِرون على أخذِ أموال المسلمين. ولا قائل به. ثمّ يَلزَمهم بمقتضى الفقهِ أن يُفَصِّلوا، فيقولوا: "إِن كان جيش الإِمامِ قويًّا مستظهِرًا على عدوّة في غالب الظنِّ، جازت القسمةُ. وإِلاّ، فلا"؛ كما قلنا: لا يَستعين بالكفّار إِلاّ إِذا كان جيشُه يكافئ عدوَّه ومَن أعانه منهم؛ وإِن لا، فلا.

وأمّا صَوَر الغصبِ، فممنوعةٌ عندنا؛ بل يرجع بعين ماله حيث أمكنه. ولا نُسلِّم أن الغاصب يَصير بما ذَكَرَ أَولى من المغصوب منه؛ إِذ لو صار بذلك أولى، لصار بمجرّد الغصبِ وصيرورةِ المغصوب في يده. وكلُّ ما اعتَذََرَ به عن مجرّد الغضبِ لازمٌ له، في طحنِ الدقيق، وخَبزِه، وذبحِ الشاة، وطبخِها، والبناءِ على الساحة، ومحوها؛ لأنّ علّتهم موجودةٌ في الموضعين. وما أوقعهم في هذا الأصل الضعيف إِلاّ ظنُّهم أنّ الأملاك شُرِعت لمجرّد استصلاح العباد. ثمّ رَجّحوا قرب المصلحة على بُعدِها؛ وهذا ضربٌ من رعاية الأصلح الذي أبطلناه.

ومنها قاعدته في وصف الفعل بأنّه ضربٌ أو قبيحٌ

فقال: "ليس كونُ الفعل متعِبًا، أو شاقًا مؤلمًا، هو المقتضى لكونه ضررًا، أو قبيحًا، إِذ لو كان كذلك، لَمَا ورد الشرعُ بالأفعال الشاقّة على الطِباع؛ لأنّ جهة القُبحِ إِذن فيها قائمةٌ، وهي كراهة الطبعِ ونفرة النفسِ. والعقل ينفي القبحَ والضررَ. فورود الشرعِ به منافٍ للعقل. وهو تناقُضٌ في الحجج. فإِذن، الجهة المقبِّحة الموجِبة لكون الفعلِ ضررًا قبيحًا هو وقوعُ الفعلِ على غير وجهِ الاستحقاق، أو خلوُّه عن نفعٍ، أو دفعِ ضررٍ. فإِيلام الجانى حَسَنٌ عند العقلاء قبلَ ورودِ السمعِ. وكذلك ما تعلًّق به من الإِيلام حصولُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015