التصرُّفِ فيه على ما أمر به الشرعُ. وحينئذٍ، تنهم القاعدةُ المذكورة؛ لأنّ كلّ مَن فرضناه أوصَلَ إِلى الانتفاع بمالٍ، قلنا: هل انتفاعه به يكون مشروعًا، أم لا؟ فإِن كان مشروعًا، مَلَكَ. وإِلاّ، فلا. وأمّا ثانيًا، فلا نُسلِّم أنّ من كان أوصَلَ إِلى النفع كان أولى بثبوت المُلكِ، لما ذكرناه. فالقاعدة ممنوعةٌ بمقدّمتيها.
وأمّا فروعها، فنقول: قواعد مذهبِنا تقتضي أنّ الكفّار لا يملكون أموالَ المسلمينبالاستيلاء عليها. وهو مقتضى العدل؛ لأنّه سببٌ محرّم؛ والأسباب المحرّمة لا تُفيد الملكَ؛ لأنّ المحرَّم شرعًا كالمعدوم؛ والمعدوم نفيٌ صرفٌ؛ فلا يُفيد شيئًا.
ونصَّ أحمدُ أنهم يملكونها، لكنّ مأخذه غير ما ذكرتم. وهو أنّ المسلمين أُصيبوا بأموالهم في سبيل الله؛ فكان أجرُهم فيها على الله. فلا يجمع لهم بين العِوَض والمعوّض؛ كما لو وقفوها على الكفّار، أو تصدّقوا بها عليهم. فصار كأنها انتقَلت إِلى الله؛ ثمّ مَلًّكَها اللهُ الكفّارَ بذلك السببِ المحرّم، زيادةً في إِطغائهم وعذابهم وإِقامة الحجّة عليهم. وهذا مأخوذٌ من رأي عمر رضي الله عنه؛ حيث أراد أبو بكرٍ أن يأخذ ديَة قتلى المسلمين من أهل الردّة؛ فقال له عمر: "لا ديَة لهم؛ لأنهم بَذلوا أنفسهم في سبيل الله؛ فأجرُهم على الله".
وذكر الزنجانىّ أنّ المسألة مبنيّةٌ على تكليف الكفّار بفروع الإِسلام، فعند الحنفيّة، لا يُكلَّفون بها؛ فلا يَثبُت تحريمُ أموالنا في حقِّهم؛ فلا يملِكونها. وعلى هذا يَقوى ما قرّره أبو الخطّاب. فكيون نَصُّ أحمدَ في هذا الفرع على خلاف أصلِه.
وأمّا قسمة الغنيمةِ في دار الحرب، فهو عندنا مخيَّرٌ بينه وبين تأخيره إِلى دار الإِسلام. قوله، "الكفّار في دارهم أوصلُ إِلى الانتفاع". قلنا: بماذا؟ بما في أيديهم