ثانٍ. ومصلحة الطلاق إِن عَرَضَت، حصلت بالطلقة الواحدة؛ لإفضائها إِلى البينونة بانقضاء العدّة واستباحة المرأةِ الزوجَ فإن احتيج إِلى استيفاءِ الثلاث، فليكن بالتدريج، في كل طُهرٍ طلقةٌ. كلُّ ذلك مراعاةٌ لمصلحتهما، خشيةَ أن يبدو له في إِمساكها. فإذا استبقى من الولاية عليها طرفًا، أمكنه ذلك. وربما كان بينهما ولدٌ، فاستدرَك تربيته. وربما تأدبت هي بالطلقة، أو هو؛ فانتَظم حالهما بعد المراجَعة. وإِذا لم يُبقِ من الولاية شيئًا، فات ذلك عليه، فتضرَّرَ. وقد بيّنّا أنّ الحقّ في النفوس لله. فله الحجرُ عليها، ودفعُ الضررِ التكليفيّ عنها. فهذا منزعٌ جيّدٌ.
وأمّا منعُه فسخَ النكاحِ بالعيب، فقد أبطلنا أصلَه الذي بناه عليه؛ وهو ثبوت النكاح مع المنافي. ومقتضى العدلِ الشرعي جوازُ الفسخِ بالعيب المُخلِّ بمقصود النكاح لكل من الزوجين؛ لأنّ النكاحُ في الحقيقةِ عقدُ معاوَضَةٍ؛ فجاز فسخُه بالعيبِ؛ كالبيع والإجارة. وما اختصّ به النكاحُ من سائر خَواصِّه لا يَقدح في هذا القياس؛ لأنّ تلك ثبتت لمقتضياتٍ أخرِ. ولأنّه قد جعل من جملة المعنى الذي تجب إِقامتُه بالنكاحِ التوالد والتناسل والسكن والازدواج؛ والعيبُ مخِلٌّ به لخصوص النفرِة.
وأمّا الطلاق، فهو، وإِن كان طريقًا إِلى التخلُّص، إِلاّ إِنّ فيه ضررًا على الزوج، لا يقتضيه دليلٌ. وهو إِلزامُه المهرَ، وإِسقاطُ ولايته عن المحلِّ، بحيث لا يمكنه استداركُها إِلاّ بعد زوجٍ أو عقدٍ. بخلاف الفسخِ؛ فإِنّه يرجع به عندنا على مَن غَرَّرَه مِن زوجةٍ، أو وليّ؛ وتبقى ولايتُه للفائدة المذكورة. ولأنّ الأحكام الشرعيّة كالأبدان الطبيعيّة، كلّما عَرَضَ لها عارِضٌ، اقتضى علاجًا خاصًّا. والعيب في النكاح عارِضٌ لحكمِه؛ فيقتضي علاجًا خاصًّا، غير المعهود بغيره. وليس إِلاّ الفسخ. ولا شكّ في اقتضاء العيبِ حُكمًا خاصًّا، ومناسبته للفسخ في حُكم العقلِ وعدلِ الشرعِ.
قوله، "المصلحة مع العيب، إِمّا في بقاء النكاح، فقد أبقيناه؛ أو في قَطعِه، فقد