قلتُ: ولَمَّا ورد هذا الحديث ونظائره في القدريّة، تَنَصَّلوا من هذا اللقب، وقالوا: "لسنا نحن القدريّة؛ بل خصمونا هم القدريّة؛ لأنهم يُثبِتون القدرَ، ونحن ننفيه. فإِضافة اللقب المذكور إِلى المثبِتين، لَمّا اشتُقّ منه، أولى من إَضافته إِلى مَن ينفيه".
وذلك فرارٌ منهم عن لزوم هذا اللقب لهم. ولات حين مناصٍ! فإِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شبّههم بالمجوس. وإِنما يصحّ ذلك فيهم، لا في المثبِتين للقدر، لأنهم موحدون ذاتًا وفعلًا.
وهذا ما تيسّر إِيراده من أحاديث القدر؛ وفيها كثرةٌ تُجاوِز حد الإِحصاء. وقد صحّ عن النبيّ عليه السلام أنّه قال في وصيّةٍ لبعض أصحابه: "لا تَقُل لشيءٍ لم يكن: "ليته كان"؛ ولا لشيء كان: "ليته لم يكن"؛ ولكن قُل: "قَدَّر اللهُ، وما شاء فَعَلَ". ولَمَّا جاءه الملَكُ بصورة عائشة في خرِقَة حريرٍ، قال: "إِن يكن من عند الله، يُمضِه". وقال: "اشفَعُوا، تؤجَروا؛ وليَقضِ اللهُ على لسان نبيّه ما شاء" ولَمَّا قيل له: "سَعَِر لنا"، قال: "إِنّ الله هو المُسَعِّر القابض الباسط". وقال علي عليه السلام: "كلّما كَمُل عقلُ المراد، ازداد إِيمانُه بالقدر". وعن سعد بن أبي وقّاصٍ، قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِن سعادةِ ابن آدم رِضَاه بما قَضى اللهُ له. ومن شقاوة ابن آدم تَركُه استخارةَ الله. ومن شقاوةِ ابن آدم سَخَطُه بما قَضَى اللهُ".
وحديث صلاة الاستخارة مشهورٌ؛ وهو يتضمَّن الإِيمانَ بالقدر؛ وفيه: "اللهمّ إِني أستخيرُك بعلمِك، وأستقدِرُك بقدرِتك، وأسألُك من فضلِك العظيم؛ فإِنّك تقدِرُ، ولا أَقدِرُ؛ وتَعَلم، ولا أَعلَم؛ وأنت عَلاّمُ الغيوبِ"وهو صريحٌ في نفي القدرة الحادثة. وهو حديثٌ شريفٌ صحيحٌ.
ومَن استقرأ سِيرَ الأنبياءِ والملوك وغيرهم، ووقف على قضاياهم ووقائعهم، عَلِم بالضرورة أنّ لا خالق ولا متصرِّف في الوجود إِلاّ الله. وإِنما أُتِي هؤلاء القومُ مِن قصورِ