وأمّا قوله: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} "، ونظائرها، فأمْرها واضحٌ باعتبار تَصرُّف الله في خلقِه، كونًا باطنًا، وتكليفًا ظاهرًا.
قوله، وكيف يَصحّ أن يقال: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك}، أي العقوبة التي أصابتك إِنما هي مِن قِبلِ نفسِك بعملِك. ولو شاء اللهُ أخْذَهم بالعقوبة من غير معصيةٍ، لقَدرِ على ذلك؛ لكنّه رؤوف رحيمٌ"؛ إِلى آخِر كلامه في هذا المعنى. قلتُ: قد سبق نحوُ هذا البحث، أو هو بعينه. وقبل هذه الآية، {قل كل من عند الله}، يعني الحسنات والسيئات. وقال الله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات}، {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}. وإِن كان في الاستدلال ببعض هذا نظرٌ، لكن، بالجملةِ، الحَسنة والسيئّة مِن عندِ اللهِ، أي بخلقه وتقديره.
وأمّا قوله: {فمن نفسك}، فمعناه "سَبَب السيئّةِ من نفسك"؛ وهو الكسب الصادر على وِفقِ قصدِك بتقدير الله ومشيئته. لكنّ تصرُّف التكليفِ مقصورٌ على مراعاة الاكتساب. وتقدير الله لها، مضافًا إِلى تَصرُّف التكوين، فليس من هذا الباب.
قوله، "لو شاء الله، عاقبهم من غير معصيةِ" قلنا: نعم. ولو فَعَل، لكان عادلًا في ذلك حقيقةً معقولةً. لا نقول ذلك بَغتىً، ولا جمودًا على التفويض التقليدىّ؛ بل هو معقولٌ واقعٌ. أمّا أنّه معقولٌ، فلِما قرَّرنا قبُ مِن أنّه خَلَقَ النفوسَ، وعَلِم ما يَصدُر منها من خيرٍ وشر. فلو عاقب بعضَها بدون صدورِ ذنبٍ منها، وقلنا بتحسين العقل وتقبيحه، كما تقولون لأمكننا، بقول الله تعالى: {ولا يظلم ... أحدا}؛ وعقابه لهذا بدون ذنبٍ ظلمٌ؛ وهو منّزهٌ عنه. فدَلَّ على أنّه عِلِم مِن جِبِلَّته وطبيعةِ نفسِه