الطاعة موافَقةُ الأمرِ. فالأنبياء دَعوا إِلى موافَقة أمرِ اللهِ؛ فهو طاعةٌ، وإِن كان خِلاف مرادِه وتقديره. وإِبليس دَعَا إِلى خلاف أمرِ الله؛ فهو معصيةٌ، وإِن كان وَفقَ مرادِه وتقديره. وقد قَرّرنا أنّ الله سبحانه يَستحِقّ غى خلقِه تَصرُّفين، تكليفيًا وكونيًّا. فهو بالأوّل مُكَلَِفٌ، وبالثاني متَصرَِفٌ. وقد بَيّنّا بذلك أنّه لا تَنافى بين دعائه إِلى شيء وحيلولتِه دونه.
قوله، "وقال القومُ فيمن أَسخَطَ الله: "إِنّ الله حَمَلَه على إِسخاطه"؛ وكيف يَسخَط إِذا عَلمِوا بقضائه عليهم وإِرادته؟ والله يقول: {ذلك بما قدمت يداك}؛ وهؤلاء الجُهَّال يقولون: "إِنّ الله قَدَّمه لهم، وما أضَلَّهم سواه"! قلنا: الله حملَهم على إِسخاطه بقضائه وقدره بمقتضى تَصرُّفه الكونيّ ويَسخَطه منهم بمقتضَى تَصرُّفه التكليفيّ. وقد بَيّنّا أن لا تَنافي بينهما. وهذه مِن سنّة إِبليس؛ قال: "ربّ لِم أغويتني؟ وإِنما فَعَلتُ ما أَردتَ". فكان جوابه ما سبق، من أني لا أُسأَل. ثمّ قد ثَبَت في القرآن أنّ إِبليس قال: {قال رب بما أغويتنى}. فأثَبتَ أنّ الله أغواه، أي أضلَّه. وأقرَّه اللهُ على ذلك. ومع ذلك، سَخِطَ فِعلَه، لمخالَفة أمرِه. فجوابه عن إِبليس هو جوابنا عن سائر العصاة.
وأمّا قوله: {بما قدمت يداك}؛ فالمراد "كَسَبتَ، بتقدير الله سبحانه". فالله قَدَّمه، بمعنى "خَلَقَه وقَدَّره". والعبد قَدمَّه، بمعنى "كَسَبَه واجتَرَحه". وما أضَلَّهم سواه، لقوله، {وأضله الله}.
قوله: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}، إِلى قوله، {ولو شاء الله ما فعلوه}. فلو كان الأمر كما زعموا، لكان الدعاء والأمر لا تأثير له؛ لأنّ الأمر مفروغٌ منه. قلتُ: أمّا تزيين الشركاء، فمعارَضٌ بقوله، {كذلك زينا لكل أمة