وقال الأستاذ أبو إِسحق: "إِنّ ذات الفعل يقع بالقدرتين". قلتُ: هو بناءٌ على وقوع الفعل بين القدرين. لكن إِن عنى "بوقوعه بالقدرتين"، أنّ صدورَه عن القدرة الحادثة صدورُ الشئ عن محلِّه، فهو كقول الأشعريّ. وإِن عنى أنّ صدورُ الشئ عن مؤثِّره، فهو ضربٌ من الاعتزال؛ لأنّ النزاع معهم إِنما هو في تثير القدرة الحادثة في الفعل أصلًا؛ فنفيناه نحن، وأثبتوه هم. فإِذا جَعَل فيها تأثيرًا في الفعل مع غيرها، فقد أَخَذ قسطًا وحظًّا من الاعتزال.

وقال إِمام الحرمين: "الله سبحانه يُوجِد للعبدِ القدرةَ والإِدارةَ. ثمّ هما يوجِبان وجودَ المقدور". وهو قولُ الفلاسفة، وأبي الحسين من المعتزلة. وهو في التحقيق راجعٌ إِلى الأوّل؛ لأنّ موجِدَ الموجِبِ موجِدٌ.

أمّا جمهور المعتزلة فقالوا: "العبد موجِدٌ لأفعاله، لا على نعتِ الإِيجابِ، بل على صفةِ الاختيارِ". وغلا بعضهم، حتى صار إِلى أنّ العبد خالِقٌ على الحقيقة، كالربّ. وتغالى بعضُ متأخّريهم، حتى صار إِلى أنّ لا خلق على الحقيقة إِلاّ العبد؛ أمّا الربّ سبحانه، فهو خالقٌ مجازًا.

قلتُ: فإِذن، أهل السنّة والمعتزلة في هذا على طرفي نقيض؛ لأنّ هؤلاء يقولون: "لا خالق للأفعال حقيقةً إِلاّ الله؛ والعبد خالقٌ مجازًا؛ وهؤلاء يعكسون، كما ذكرنا.

[مقدمّات المسألة]

واعلم أنّ هذه المسألة مبنيّة على مسائل، هي مقدّماتٌ لها.

منها: التكليف بالمحال، وهي مسألة تكليفِ ما لا يُطاق؛ وقد سبق القولُ فيها.

ومنها: عدم تأثير القدرة الحادثة في المقدور، عندنا. وعندهم في مؤثرةٌ، كما سبقت الإِشارة إِليه آنفًا.

ومنها: أنّ القدرة قبل الفعلِ، عندهم؛ فالعبد قادرٌ على أفعاله قبل وقوعها. وعندنا، القدرة يخلقها اللهُ عند الفعل، فيجري عليها. والتحقيق على ما ذكره بعضُ مشايخنا أنّ القدرَة المصحَّحة للتكليف قبل الفعلِ؛ والقدرةَ المصحِّحة للفعل معه. إِلاّ أنّ النزاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015