يأمن أحد ممن يقصد أداء الفريضة على ماله أو نفسه، وكان إقبال المسلمين من أرجاء الأرض على الموسم برغم ما يتعرضون له من الشر والأذى يزيد كل عام في أعداد الضحايا، فلا المسلمون يمتنعون ولا الأشرار يتوبون.
والحج في الإسلام "أحد الجهادين" كما قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وكثيرا ما اقترنت أحاديثه بأحاديث الجهاد، وكان من حكمته تدريب الأمة على الجهاد، ولزوم الطاعة فيه، فلم تتخلف الأمة قط عن هذا الجهاد مهما أصابها فيه من تضحيات.
وليس من حق دولة تكون الجزيرة والحجاز تحت ولايتها بمستطيعة أن تدعي لها سلطانا عليها ومهابة في أعين المسلمين وكل الناس ما لم تؤمن طريق الحج، فإذا لم تعمل لتأمينه أو لم تستطع لم تكن ولايتها عليها إلا شكلا من أشكال الضعف والمهانة التي تتشبث بهما ليكونا ثوبين من أثواب الزيف والرياء.
وكذلك كانت الدول التي حكمت الجزيرة بعد ضعف الدولة الإسلامية، ثم استمرت الحال كما هي حتى العهد التركي كله في الجزيرة والأشراف في الحجاز، وطالما اعترض شذاذ الأعراب طريق الحاج وفرضوا عليهم المكوس، ولم يكونوا يعفون من المكس عربيا ولا عجميا، وامتد ذلك في طول الجزيرة وعرضها حتى أبواب مكة والمدينة وفي دائرة الحرم كله، وكان أعراب جهينة في جباية هذه المكوس أشد الأعراب.
فلما قام بإصلاحه محمد بن عبد الوهاب رأى تأمين طريق الحاج أول الواجبات، إذ البلاد المقدسة هي قبلة العالم الإسلامي كله. وما جزيرة العرب إلا مكة والمدينة واليمامة واليمن وتهامة كما ذكر في الأحاديث1.