إذا جاءك الخصمان فلا يكونن لأحدهما على صاحبه الفضل فأمحوك من ديوان نبوتي1.
فهذه قولة قالها الأوزاعي لأبي جعفر المنصور، وفيها من العظات ما لم يكن خافيا على أبي جعفر المنصور الذي نشأ وربي في المدينة بين جلة الفقهاء وعلية العلماء، ولكنه رضيها من الإمام إذ كان له فيها ناصحا أمينا.
وكذلك فتح محمد بن عبد الوهاب بين يدي الأمراء باب هذا الأدب الجم للجلساء، وكأنه حدد أصنافهم، فاختار أن يكونوا من أهل العلم والصلاح. وكذلك رحب الأمراء بجلسائهم من هؤلاء، فكان حتما للدولة أن تسلم من عثراتها وأن تقوم بعد هزائمها، إذ تنَزه مقام الأمير عن كل هون إلا ما كان في صلاحه وصلاح الأمة وصلاح الدين.
تنظيم الأمور:
وقد كان للإمارة نظام أشبه بالنظام العسكري أو هو ذاته، تتقلب حياتها فيه، وكان ذلك بسبب العداوات التي منيت بها فاضطرتها إليه، فبنيت الحصون والقلاع وحفرت الخنادق وألفت الحاميات، ودرب الشبان على الفروسية والرمي. وعلى قدر ما تسع موارد البلاد تدفع الأجور.
وجعل شرط انتظام الرجل في الحاميات أن يكون من أتباع مذهب التوحيد عن صدق وإيمان، ويعرف ذلك منه بالممارسة والتجربة والاختبار. وكان من الخير لهذه الدولة بل لمثيلاتها أن تقوم حمايتها على أسس من الخلق والدين، ولا يتسنى لها القيام إلا على أيدي جند من المؤمنين