منذ بدأت دعوة الإصلاح إلى أن قامت الدولة السعودية الثالثة والقائمة الآن.

وإطلاق الوهابية كما أطلقت على حركة الإصلاح والحروب التي خاضتها كانت من الخصوم لا من الأصحاب، ولكنها مهما كانت تسمية بغيضة إلى نفوس أولئك المصلحين فإنه لقب يبدو في ذاته غير بغيض، إذ هو نسبة إلى الوهاب الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى، ولعل إطلاقه -من غير إرادة الخصوم- كان بشرى انتصار المصلحين بما رزقهم الوهاب من نصر وتأييد.

والوهابية -كما سنظل ندعوها كذلك في كتابنا -لم تكن مذهبا جديدا في الإسلام ولا زائدا على مذهب أهل السنة، وإنما كانت حركة إصلاح ديني دعت إليها سيرة الحنابلة في ثورتهم على ردة المعتزلة والجهمية وفي تنقيتهم ركام الجهالة ومحاربة ما ابتدع في الإسلام من أفكار وطقوس.

وانصب غرض الإصلاح على تنقية العقيدة الإسلامية مما لحق بها من الشبهات فكرا وعملا والرجوع بها إلى أصلها كما كان يعرف السلف الصالح.

أما الفروع فقد أحيت المذهب الحنبلي لمواءمته للأصول، ولكنها وهي دعوة لم تبتدع فقد كانت غريبة على النفوس فكأنها كانت جديدة لم تعرف من قبل، لما غمر الناس من فساد الاعتقاد وانحراف الطباع ومناسك التعبد والتقرب. فلم يكن بد -وهي دعوة قديمة يتجدد إهابها- من أن يعتبرها صاحبها دعوة جديدة فيسلك بها الطريق التي تبدأ من أوله الدعوات حتى يضمن لها الفوز والثبات.

ولم تمس الدعوة جوهر الإسلام، إذ هو لا يقبل إصلاحا يمس جذوره، لأنه واسع حر، وفيه لكل من أراد أن يجد غنى ووفرة وحياة. والقوانين الخلقية والعادات التي أورثها الإسلام بنيه كانت دائما عوامل زاجرة قادرة على ردع الإنسان عن الإذعان لاندفاعات خاطئة.

وعناصر الثبات في هذه الزواجر في قدرتها أن تهيمن على الطباع والعادات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015