وعلى ضوء ساطع بنظر سليم وحجة راجحة سار بنو تيمية وخفقت في آخر مسيرتهم راية تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الذي أفرغ جهده في التنقية والتصفية والتخريج، واعتزم في جد وصرامة أن يبعثر الركام المختلط ليكشف عن حقيقة الشريعة الصافية، فصرخ الناس في وجهه وأصلَوْهُ بنار عداوتهم. وكان حراس هذا الخليط المضطرب من رجال الحكم ورجال الدين، فأصلَوْهُ عداوتهم على سواء.
غير أن مبادئ الثورة التي أشعلها الإمام أحمد وصولة الحق في أصوات المدرسة الحرانية كانت ذات أثر بالغ فحثت قلوب البصراء على البحث والنظر حتى تتكشف حقيقة المبادئ الصافية التي جاء بها الإسلام أول ما جاء وآخر ما ترك. فلما كان محمد بن عبد الوهاب كانت النفوس على استعداد لقبول دعوته تحت ضوء السراج الذي أشعله الإمام أحمد وبنو تيمية، وعلى استعداد أيضاً لردها ومحاربتها رضوخاً للجبال المركومة فوق الرؤوس من الآراء والجهالات.
أما البصراء فقد قبلوا وأما المتلفعون بأردية الباطل فقد رفضوا، ولكن الدعوة وجدت سبيلها- برغم أعدائها ورافضيها -إلى المضي والنفوذ. وكذلك تم بها للحنابلة خط سليم من المنطق والعقل، كانت مقدمته أحمد بن حنبل وكان وسطه بني تيمية وكانت النتيجة محمد بن عبد الوهاب، في قضية مستقيمة لم تتعدد طرقها ولم تنعرج، بل سارت في طريق محكم قويم.
ومما صار علماً لدى الناس تسمية حركة الإصلاح التي قام بها ابن عبد الوهاب بالمذهب الوهابي وإطلاق الوهابية على المذهب وعلى الحروب التي شنت على أهله -ولا سيما حملات محمد علي خاصة- ومن الحق أن تطلق الوهابية على كل الحروب التي جرت في الجزيرة العربية وفي خارجها