والزي والرأي، وفي مكنونها أن تستيقظ لدفع الانحرافات التي تدخل عناصر السلوك.

ولقد حاول كثير من كتاب التاريخ والاجتماع أن يربطوا بين الدعوة الوهابية والبداوة، ولاح لهم أن قسوة الدعوة لم يلائمها إلا البادية الجافة والبداوة القبلية دون المدن وحضاراتها، وهو ربط يبدو أنه خاطئ أو باطل، إذ الدعوة الوهابية هي الدعوة الإسلامية ذاتها والتي نشأت أول ما نشأت في مكة، وكانت مكة والمدينة من بعدها وسطا تجاريا متحضرا ضخم التعقد في حضارته، وكانت الكتل البشرية التي تشترك فيه مؤلفة من أجناس وأديان شتى، ومع ذلك فلم يقل أحد أنه كان أولى بهذه الدعوة أن تنشأ في البادية أولا.

وقد ثبتت صلاحية الإسلام لكل الأمكنة والأزمنة، لا بادعاء الإسلام لنفسه، ولكن بالنظر من أهله وغير أهله في سمو مبادئه وصلاحية نظامه لكل المجتمعات، ومن وراء التجارب السعيدة التي مرت بالشعوب التي اعتقدته صافيا ونفذت مبادءه.

ومن ثم وجب أن لا يقال شيء غير أن محمد بن عبد الوهاب لارتباطه بأهله وتاريخ بيته بالبادية بشكل شعوري أو لا شعوري فجعل موطن ولادته مسرحاً للقيام بدعوته والسهر على تطبيقها لم يجد بداً من أن يبدأ دعوته فيها، ولو كان الوضع مختلفاً وكان هو ابناً من أبناء الحضر لبدأ دعوته به ولكان كأحد الأفذاذ الذين دعوا في الحواضر فنجحوا أو أخفقوا.

وإنما يجوز أن يقال فيما بعد -استنباطاً من النجاح الذي ظفرت به الدعوة -أن التفكك الذي كان بالجزيرة والإحساس بالضعف والهوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015