الجزيرة وقبائلها في أيام الدولتين الأوليين وتفرقت فإن مذهب التوحيد الخالص قد عرف وتجاوز الجزيرة كلها إلى خارجها ودق أسماع الناس في سائر البلدان.
وإذا كانت سياسة القمع والاضطهاد من الترك وعمالهم على الأقاليم قد أنزلت بأرباب الدعوة ضربات، وحشدت من علماء الأمصار وكل المذاهب عملة منافقين يرمون الدعوة بأنها بدعة، والجد فيها بأنه عنت، والأمل بأنه طمع، فإن حجة الدعوة قد قامت وتعلقت بضمير التاريخ الذي حكم عليها -فيما بعد- بأنها كانت حقا ظلم ونصرا مني بالهزيمة، وضوءا ألقيت عليه ستائر الظلمات.
ونفوس المسلمين التي أرهقتها الشروح المطولة والمقالات الغامضة فلعبت بها الحيرة والضياع كانت كالأرض الخصبة التي سيبوا عليها سيلا من الماء كالطوفان رجاء أن يرويها فأغرقها -هذه النفوس حين أضاءت لها مبادئ التوحيد التي نشرها الشيخ المعلم في كلمات موجزة واضحة ما لبثت أن عرفت أنها غرقى في طوفان من الآراء المقلقة والطقوس المريبة، وحتى لو كانت من بينها نفس تهوى ما يسمى بحرية الرأي وسعة آفاق العلم فإنها من داخل وجدانها كانت قلقة ضائعة لا ترى طريقا قويما تسير فيه.
وجزيرة العرب التي رضخت زمانا لوطأة القرامطة الذين تذرعوا بأسوأ المناحي ولم يبالوا بغير قضاء المآرب العاجلة والشهوات الفانية أفاقت على حركة مطهرة تدعو إلى الفضيلة ولا تتذرع إلى قضاء مأرب، وإنما تشيع مبادئ الرسالة التي هجرها أهلها فوطئ أرضهم قرامطة الفكر والطمع والفساد1.
وأول ما اكتسبت الدعوة آل سعود كان إيذانا باجتماع قبائل نجد