بعدهم ذريتهم، كانوا هم الهداة والأئمة.
وكانت لهم المنْزلة الأولى في الدين والثانية في الدولة بعد الأمراء، ولم يبد من واحد من هؤلاء أو هؤلاء طمع أو بغي، بل ساروا صفا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
ولقد كان لهذا الوفاء المخلص المتبادل بين الجانب الديني والجانب السياسي أثر عظيم في نفوس القبائل قريبها وبعيدها حبيبها وعدوها، وفي نفس الأحداث التي وقعت من هزائم وانتصارات، فسارت فتوح آل سعود في الجزيرة قدما تحت راية الوهابية، وكان على من لم يطع الدعوة الخالصة عن رضا أن يطلبها عن هيبة أو رهبة، وتوحدت الجزيرة بعد زمان طويل تلقت آلامه وتشبثت بآماله الأسرتان العربيتان المجيدتان.
سواعد الأنصار:
منذ انتهى عصر الخلفاء الراشدين انفصلت قوة الدولة الدينية عن قوتها السياسية وصار الأمير العباسي صاحب السلطان الأول بل المطلق في الدولة الإسلامية. أما رجال الدين فصاروا بين اثنين، واقف على باب السلطان وممتنع أبي على السلطان. وقد ثبت أن الأئمة الأباة قد اكتسبوا مجد السيرة وإكبار الأجيال. ومع رفعة مقاماتهم في النفوس وانعطاف القلوب عليهم في الحياة والموت وبعد الموت أكثر مما نال الملوك والأمراء فإنه يعز على الباحث أن يجد أميرا قد اشتهى أن يكون إماما من أئمة الدين ويبيع به منصب الأمير.
ولو أنه حدث حينا فإنه لا يتم، كما حدث من المأمون العباسي في أول عهده بالخلافة. إذ أحب أن يحدث بحديث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فحدث مجلسا واحدا ثم انقطع، لأنه لم يجد في حديثه لذة في نفسه، ولأنه حدث حاشيته المشغولة بالمناصب العليا ولم يحدث أهل الخلقان والمحابر،