الجامدين والمغرضين، لأن حضارتهم الدينية كانت قد صارت خليطا غير فصيح من الإسلام والإلحاد1.
فلما مضى الزمن واعتنق هذه المبادئ محمد بن عبد الوهاب، استطاع أن يجعل منها برنامجا عمليا ينقذ الناس، ووقع في حسابه أن الدولة العثمانية المسيطرة على بلاد العرب جميعا لم تدع إصلاحا يسير في طريقه خوفا من أن يهدد كيانها ويزيدها مرضا وعناء.
وكانت تجارب ابن تيمية قد أكدت أن لا أمل في عون من رجال الدين الذين تنتظمهم الحواضر الإسلامية والذين تحولوا بفعل الأنظمة السياسية البشرية إلى موظفين رسميين جامدين لا يميلون إلى تغيير أو تبديل بسبب أرزاقهم ومناصبهم، وحتى من كان منهم ذا نفس تواقة إلى الإصلاح فإنه كان يخشى الفشل والإخفاق2.
وأفادت هذه التجارب شيخ نجد فباعد بينه وبين الحواضر، ورأى القدر قد أعانه بأن كان أحد أبناء البادية التي تغرق طبيعتها فيما هو أكثر من الزهد والتقشف، فصمم على أن يبدأ دعوته بها، وكانت أجدر بالدعوة وأولى، إذ كانت هي الأخرى قد صارت مرتعا لفاسد العقائد والطقوس، وقد تمزقت أفلاذا بين القبائل المتعادية المتحاربة، وبات الناس فيها محكومين بأهواء الأمراء والعمال بلا شريعة ولا قانون3 فلعلها -على ما بها من فساد- تقبل الإصلاح وتسرع إليه.
وعاد شيخ نجد من رحلته إلى العارض وبدأ بالاحتجاب عن الناس وانصرف للقراءة والتأمل، وظل على تلك العزلة ثمانية أشهر، حتى إذا