الحدود فقد أنكر ذاته أو تدهور، إما إلى دركات الحواس وإما إلى ظلمات الجهل والخيال.
وحين سبق الإسلام بمرتبة الإيمان وعبادة الإله الواحد المنَزه عن الشبيه ترك للعقول أن تتقلب في حدود مقدرتها لتصنع الدليل، وهي رحمة بالعقول ودفع للثقة بما تفعل.
فقد حرّضها على أن ترى الغائب من الشاهد والصانع من الصنعة والوحدانية من اتساق النظام وتناقضه في الكون المخلوق، وإذا لم يفعل العقل ذلك جهل ذاته وجوهره.
ومهما اعتورته في استدلالاته شكوك وريب واعترضته مشاق وجهود فعليه أن يجري في مجراه حتى يأتي اليوم الذي يكون علمه بالله تعالى فيه علم اضطرار غير مشوب بكلفة ولا معقود بمشقة.
ولن يكون ذلك إلا في الدار الآخرة كما ورد في آيات القرآن وأحاديث الرسول1.
وحفاظا على كيان العقل وجوهر ذاته، وتسديدا له ليسير في طريق العلم النافع، وتيسيرا للجهود أن تسلك طريق السلامة -حارب الإسلام السحر والتخرص والتنجيم والأخيلة الكاذبة والخرافات، ولم يرض بغير ما يسمو بالعقيدة ويسدد طريق العبادة ويقوم الخلق ويرقق الطباع ويرهف الملكات وينظم المعاملات ويحسن كل مقومات الحياة2.
وقدم الإسلام دواءه الناجع في تعاليم وأحكام بناها على الحوادث اليومية في مدى ثلاثة وعشرين عاما هي زمن الوحي والنبوة، ولم تجئ تعاليم منقطعة عن الحوادث البشرية فصحت دعوى الإسلام بأنه من بين الديانات