هي الأدوات الدائمة في يد الكفر والإلحاد. وليس بدعا ما بدأ به الإسلام، فكل شريعة منظمة تفرض الإيمان بها أول ما تفرض، ثم تطلق الأيدي والأفكار في داخل نظامها، فإذا جاوزت هذا النطاق وتعدت حدوده عدت هدما وتدميرا. ولا يحتاج إدراك هذه الحقائق إلى ذكاء. أما من يطلبون أن يعمل العقل أولا ليدرك من نفسه وجه الإيمان فأولئك دعاة السير في الظلام، وفي الظلام لا يهتدى إلى حق ولا باطل، وهي منْزلة أشد خطرا على الإنسان من انعدام الإيمان.
ولئلا يحس العقل نفسه وحيدا في وحشة الدنيا مضطربا في استبانة الطريق عجل له الإسلام فلقنه الإيمان ليثبته إذا اضطرب ويؤنسه إذا استوحش، ثم يدفعه ليرى في ضوء ساطع ونور واضح.
والقلب لا يندفع إلى حركة عادلة إلا إذا هدأ، ولا يتناول الأفكار والأعمال تناولا قاصدا إلا إذا اطمأن. والإيمان - مع أنه في منْزلة البديهة إذ هو استجابة للشعور بالقوى الجبارة الخفية التي تسير الكون كله -فإنه هيوب- كما قال الرسول الكريم - يمنع صاحبه أن يقدم على الآثام والذنوب إقدام المرتكس الضال1.
والحقيقة الأولى التي هي الإله الواحد الذي ليس كمثله شيء نادى الإسلام أن يستيقظ لها العقل ويتنبه، وكانت دعوته مناسبة لجوهر العقل ذاته، إذ كل ما انحط تحت الحواس فأدركته صورة المادة أو توهمه الخيال صورة منسوجة الخيوط منها أو قعد عن إدراكه الجهل فأطلق لغريزة العناد أن تقابله بالجحود والنكران - كل ذلك حمى الإسلام العقل منه وناداه أن يعبد غير المحدود، فإذا عبد العقل غير الذات المبرأة عن