والتوحيد الذي يطابق شرف الذات والعقل جاء به الإسلام، فرفع الوجوه عن السجود للأوثان البشرية وغير البشرية من كل كائن مخلوق، وبدأ به أولا لأنه أخطر وأشق، وبغيره لا يكون الانتقال من عبادة إلى عبادة، بل هو بمثابة الإقرار بالحق، وبدونه تكون الاستهانة، وهذا سر أسبقية الشهادتين في الإسلام وكونهما الركن الأول فيه1.
وكان أمرا ضروريا لانتظام الناس في سلك عقيدة موحدة ومساواة عادلة أن تتقدم مرتبة الإيمان فيطلب إليهم قبل كل شيء أن يؤمنوا.
ولو ترك للعقل والعلم ما وكل للإيمان لما استطاعا أن ينظما الناس في سلك واحد، إذ كما يقع الاختلاف بين العالم والجاهل يقع بين العالم والعالم، فلا يمكن جمع العلماء على نظريات علمية يختلفون في إدراكها إلا إذا أصبحت عندهم من البدائه -أي في درجة الإيمان- ولكن العقيدة في إمكانها أن تجمع بين المختلفين مهما اتسعت مسافات الاختلاف بينهم. ولا سيما إذا كانت سهلة ميسرة كالعقيدة الإسلامية التي بدأت بالتوحيد.
وفي الإمكان أن تكون مسؤولية الجميع متساوية أمام العقيدة، من حيث تختلف المسؤولية ولا يمكن أن تتساوى أمام العلم والعمل، لأن إدراكات العقل متفاوتة بنسبة الذكاء وما يدرك من مسائل العلم.
ودرجات العمل متفاوتة بحسب الذكاء والفكر والقوى المبذولة. أما العقيدة فلا تحتاج إلى جهد من عمل أو موفور من عقل وذكاء، بل يكفي فيها صحة العقل وسلامته من الآفة، ولذلك بدئ بالعقيدة لإمكان التساوي فيها بين من يعرف الدليل ومن لا يستطيع أن يتهجى حروف الاستدلال.
وقد بدأ الإسلام بالإيمان وجعله الفرض الأول ليكون حصنا يحمي الحضارة التي تبنيها العقول والجهود من أن تتسلط عليها معاول الهدم التي