وقد دفعه ذكاء النظر وفطنة القلب والاتعاظ بالتجربة أن يلجأ إلى محمد بن سعود في الدرعية عند أول صدام في دعوته. وما من شك في أنه كان قد عرف ميول الأمير واستقامة خلقه ومدى استعداده قبل هذا الالتجاء.
وكانت المعرفة بالأمير سهلة ميسرة، فإن الدرعية لم تكن عنه ببعيد، ثم لا بد أن تكون الدرعية قد آوت من الهاربين من الظلم من اليمامة أناسا شهدوا عدل الأمير في الدرعية -ومن بينهم من هو من بني تميم- فأقاموا بها.
وبهذا الالتجاء ضمن الداعية النجاح، لأنه وإن كانت القواعد الدينية تفرض عادة من القاعدة على القمة إذ القاعدة مصدر النظم ومنبعها، فإن بدايتها من القاعدة والقمة معا مسرع بها إلى الانتشار والرسوخ والاستقرار.
أشعة الضياء:
ولما بلغ شيخ بني تميم الثمانين من عمره اعتزل الناس ولجأ ملجأ مالك والأوزاعي وأحمد وأضرابهم إلى الزهد والتعبد، ولم تعد له يد في تصريف الأمور، وترك أمر المشيخة لابنه حسين. حتى إذا كانت سنة 1206 - 1791 م كان قد بلغ التسعين من عمره فتوفي في ذلك العام بعد أن مضى على دعوته منذ أن أعلنها في حريملاء أكثر من نصف قرن من الزمان.
ومن نافلة القول أن يذكر أن موته كان غما وحزنا أصاب الأمراء من آل سعود ومن آله وأتباعه وكل منصف من أهل الدين والعرب وغير العرب، فإن موت العظماء كالأحداث الداهمة تصيب الناس بالحزن والذهول.