عقائد الناس إلى التوحيد الخالص، وبذل كل جهده في بيانه بلسانه وقلمه وفي جهاده بتدبيره وسيفه، ولم يتعرض لشيء سوى الشريعة التي تنتظم بها شؤون الحياة.
وكان وفيا هو وبنوه وحفدته للعقد الذي عقده مع محمد بن سعود أول الأمر في أن يتولى هو الدعوة الدينية ويتولى الأمير ابن سعود شؤون الدولة وتنفيذ الأحكام.
ولقد كان الرجل ذا نفس نزاعة عن الانعزالية -سوى فترات قليلة عكف فيها على التفكير والتأمل- إلى أن بلغ الثمانين من عمره فانقطع انقطاع الفقهاء كمالك والأوزاعي وأحمد.
ولو وصف -من بعض اعتزاله- بالانعزالية لكان أحد المتصوفة الذين تخلوا عن الناس ولم يذكروا إلا أنفسهم وخصوها بطلب القربة والوصول، ولكنه أراد أن يعيش مع قومه ثم مع المسلمين كافة عيشا متكافلا ساميا يكون من شأنه إسعاد الناس.
ولم يسقط من حسابه العامل الحربي الذي يكون عليه آخر الأمر تقريب المسافات وتقصير الأزمان.
من الممكن بعد هذه الصفات العود إلى صفتي الحفظ والذكاء. وفي الاعتقاد أنهما ضرورتان لرجل يبدأ دعوة ويصنع تاريخا. أما الحفظ فالمراد منه أكثر من حفظ العلوم -وعي التاريخ والاتعاظ بالتجارب الماضية للناجحين والمخفقين والسير على خطة منجحة بقدر الإمكان. أما الذكاء فهو معين على الحذر وتفادي الخطأ ووقوع النظر والقلب الناجع من السلوك ومسايرة الزمن وحسن سياسة الناس. وهذا وذاك ما اتصف به ابن عبد الوهاب فكان حافظا ذكيا.
والذكاء ليس وظيفة ساذجة أو ملكة مستقلة، وإنما وظيفة مركبة ذات تعقيد تتكامل فيها عدة مقومات عقلية وإرادية واجتماعية. وقد عرفه علماء النفس بأنه القدرة الفعلية على تكييف المواقف الجديدة والقدرة على التصرف والابتكار.