ولقد أكثر الفتى النجدي في أثناء رحلته من الخلوة والتأمل، وكان لجوؤه إلى المدارس التي في طريقه انزواء عن الناس لئلا يفسدوا عليه فكره وتأمله، ولم يزل في كثير من المواضع التي نزل بها لا يذكر اسمه ولا قومه ولا بلده تواضعا وزهدا قد نسي كل هذه الأشياء ثم أعلن عن نسيانها في أصفهان حين حسر عن رأسه ولبس جبته الخضراء1.
وهكذا صار السفار الرحالة من العلوم التي حصلها على بصيرة، وأيقن أن انتكاس المسلمين لم يحدث إلا بمفارقة عامة الناس للشريعة وحدودها وآدابها، أما علوم الدنيا ومعارفها فقد ينال منها ما يشاؤه الصالحون والطالحون، فرأى وجوب بذل الهمة في إرجاع عامة المسلمين إلى الحقائق الميسرة في شريعتهم والتي انخلعوا عنها.
وأعجبته من بين النّزعات نزعة ابن تيمية فانكب على رسائله ينقلها بخطه ويحملها في حقائبه ويسافر -ولعلها كانت أنسه في خلوته- وقد رسمت له هذه الرسائل حدود الدين وخلصته من البدع والمنكرات وتخليط الفرق وتهافت الفلاسفة، فود ابن عبد الوهاب لو أتيح له أن يحقق للمسلمين ما عجز ابن تيمية عن تحقيقه2! ثم فكر في الخطوة العملية فرأى أن يبدأ بقومه ويدعو بدعوته بين القبائل ثم يقاتل ويهاجر من بلد إلى بلد في الجزيرة وفي أطرفها ليرجع بالدين إلى نقاوته الأولى، فإذا خلص له ما أراد في بلاده التي نشأ فيها