نواحي الحياة، واستمر هذا الاتجاه أبدا، وظهر هذا الميل أو النّزعة إلى خارج النفس كلما سنحت الفرصة لظهوره.
وهذا هو ما صار لمحمد بن عبد الوهاب إذ آثر النّزعة الدينية وأولاها إدراكه وإرادته فتعلق بها وأحبها، ومن ثم أداه هذا الميل إلى الإكثار من المعلومات ومعرفة العلاقات والروابط بين الأشياء فيما اتجه إليه من الميل الديني، أما العلوم الأخرى فكانت أدوات وأسبابا تحمل على الانتفاع بها أو الحيدة عنها بقدر ما تخدم الدين أو تعكر صفوه وتحيد عنه.
وثبت لمحمد بن عبد الوهاب أن الإغراق في التفكير الفلسفي كما أغرق المشاؤون والإشراقيون، وأن الشرود وراء الشطح والكشف كما شرد الصوفيون -لا يزيد عن أن يكون تخييلات عقلية وتلبيسات مسرفة ليس من شأنها إلا أن تميز من يعرفها بالشذوذ عن المجتمعات، وهم قليل، أما أن تقيم مجتمعا سليما قويما ينتظم فيه كل أفراد المجتمع فإن ذلك لا يكون إلا أن يشب العامة على معرفة الدين علما وعملا وفي الحدود الميسرة لكل العقول والجهود، وهذا هو الطريق الذي عرفه أهل السنة والمسلك الذي سلكوه. وكان ميل ابن عبد الوهاب وتخرجه على المذهب الحنبلي الذي يأبى الحيلة والتقليد والتأويل، فأوقعته رحلته على أنواع من الحيل والتأويلات فرجع منها ممتلئ النفس استنكارا لما ابتدعه المسلمون حاسبا أن تكون هذه الرحلة كالخلوة والتأمل لمن يريد أن يقدم لعالمه الذي هو منه والذي يحبه يدا تنجده ونورا يهديه.