ولما كانت نجد في قلب الجزيرة العربية وكانت محوطة من كل جهاتها بالقبائل والحواضر المستقلة فقد كلف نجدا في انتصارها على هذه النطاقات المحيطة بها تضحيات كثيرة غالية في الأموال والأرواح. فلم تكن الدعوة أسهل وأيسر بها مما لو كانت في غيرها كما ظن بعض المؤرخين، ولكن هذا التوسط في الجزيرة مكّن نجداً من التحرك القوي للانتصار، إذ لم يكن لهذه الجهات المبعثرة حولها أن تتألف منها وحدة تهاجم نجدا لتحاجزها بعضها عن بعض بهضاب نجد، ولولا الحرب الوهابية التي جاءت من خارج الجزيرة بعدد وعديد لما خمد للوهابية حينا سراج.
وفي المراحل الأولى لغزو القبائل والبلاد كان وجه الدعوة كله وهابياً سوى أن اليد كانت سعودية، فظهر الجد في الدعوة الذي سماه بعضهم عنفاً وسماه الجهلاء بحقائق الدين بدعة. وكان مبعث هذا الجد أو العنف أن الدعوة دينية في أساسها والسياسة تسايرها وتسندها فلم يكن هناك مجال لمراعاة المشاعر المنحرفة مهما كانت هذه المشاعر قد أصبحت من الأمور المقدسة عند أصحابها.
وكانت الوهابية ذات نظرة عامة فلم تفترض المسلمين منقسمين بين الفرق الكبرى والمذاهب التي تتوزع كل فرقة من هذه الفرق، بل افترضت المسلمين وحدة واحدة، ولم يكن يصح أن تتهم الوهابية بأنها كانت ضد الإسلام ولا ضد رسوله العظيم أو آل بيته الأكرمين.
فلما كانت المراحل الأخيرة إبان الحرب العظمى كانت الوهابية قد لبست أثواباً سعودية من قمة رأسها إلى أخمص قدميها وكانت السياسة والدين قد اصطحبا في دولة وسارا معا يراعيان بعض الرفق الذي تعودته مشاعر الناس، وما دامت الأنظمة والقوانين تسير طبقاً لأنظمة الملة الإسلامية وقوانينها فليس من بأس بذلك الرفق بعد أن عرف العالم الإسلامي كله أن الوهابية فيما فعلت لم تكن تريد غير إرجاع الأمة عن الردة التي