بسبب التفرق والانقسام العدائي كان خير معوان لحب التجمع مهما حدث من التردد الذي كان الدافع إليه حب الحياة وعزة السلطان، وحيث يكون المجال مفتوحاً لإمكان إقامة منظمة جديدة تلم شمل القبائل تحت عقائد كانت تعرفها وتؤمن بها وليست غريبة عنها فيكون الأمر أقل مشقة وأكثر قبولاً.
أما أن ينسب إلى الحضارة وأدواتها أنها ربما قامت عوائق في طريق الدعوات الدينية والاجتماعية السليمة -ومن أجل ذلك تفاداها ابن عبد الوهاب- فإنه غير صحيح، إذ ربما كانت هذه الحضارة أيسر تسخيراً في التوصيل السريع والنشر العاجل أكثر مما تفعله شواسع الأمكنة وجفوة الطباع في البوادي التي لم تدخلها الحضارات، ولكن لم يوجد من يجسر على التجريب.
وهذا كله لو افترضت نجد بادية كلها، ولكنَّ نجداً كانت ما بين حاضرة كثيرة القرى وبادية ذات عيش رتيب، وكان عيش الحضر رغداً وأدوات الحضارة وألوانها يأتي بها تجارهم من بلاد الترك ومصر والشام وفارس واليمن والهند، وعند أهلها صناعات الأسلحة والحياكة وصياغة المعادن، وكانوا على رفاهية في الطعام والشراب وفي عناية باقتناء الجواهر واختيار الثياب وأثاث البيوت. وأما البدو فكانوا في غنى بأنعامهم وخيامهم وكان لنسائهم شركة مع الرجال في أمور المعيشة وتنظيم الخيام.
وتجارات نجد كان يجلبها أهل نجد لا الغرباء عنهم وهم قوم ذوو طاقة عجيبة على مزاولة الأسفار والأعمال، وقلما يوجد فيهم من هو راكن إلى الكسل والراحة، ولا يستبعد الرحالة السفار منهم أي بلد ولو كان الصين، كما لا يستطيل أي زمن ولو كان دهراً طويلاً. ثم لا يؤوب إلى موطنه في نجد إلا بعد أن يقضي حاجاته من الارتحال.