أباه فتوفي، فصار منذ هذه الوفاة على مفترق الطريق:
فإما أن يكمل استعداده ويشد عزمه على لقاء الحساد والخصوم، من ظهر منهم ومن لم يظهر، وإما أن يستسلم فلا يحقق ما نوى أن يحققه لنفسه وللأمة الإسلامية، وينتصر خصومه وحساده وينْزوي وجه الحق عن الظهور. ثم بان له وجه الحق فرأى أن يتجهز بأقوى سلاح من حجج الدين، ونصوص القرآن والحديث الصحيح، ويمضي مضي الدعاة الأبطال، بعزم لا ينثني وقلب لا يقهر، والجنة محفوفة بالمكاره، ولا مطلب له إلا أن يرغم أنف الشيطان1.
هذه كل رحلة الشيخ فلم تجاوز مكة والمدينة والبصرة، وهي كما، ذكرها الثقات من أهل عصره، وقد أضيفت إليها صور من تخيلات المتأخرين فأوسعوا في الكلام عن رحلات له طويلة ومدارس متعددة، وكما أوسع لهم الخيال والتصوير2.
ولعل قصر الرحلة وضيقها وانصراف الشيخ إلى قراءة الصحاح والمسانيد، والمداومة عليها، قد سدد خطاه وحصره في مسار دعوة سليمة لم تختلط بأفكار جماعات متعددة، ولا بأوهام فاسدة، كما أن هذه الدراسة لم تكن بالأمر الهين أو الذي يحصله الطالب الذكي في وقت قصير، ولكن قدرته على التحصيل دلت على قوته وامتيازه.