المدينة على طريقة واحدة في النية والأمل، فوجدوا في ضيفهم ما يجعل النية عملا وما يملأ الغد أملا.
وحين رأى هؤلاء وأولئك ما يحمله بين برديه من قصد ونبل أجازوه رواية الصحاح والمسانيد وسنن الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين.
وهكذا لم يفرغ الإمام من الحج والزيارة إلا وهو متزود بثروة كبيرة من العلم اللغوي والديني، وبثقة لا حد لها من قلوب علماء كبار، وشهادات منهم بما تأهل له من الرواية والفتوى، ومنذ ذلك الحين وقد شمر ساعده وجهده ليقلى الباطل بالحق والزيغ بالهدى والظلام بالنور.
ومهما يكن العلم واسعا والرأي مستنيرا والحجة حاضرة فإنه لا ثمرة لكل هذه ما لم يكن من ورائها عزم باعث وقلب جريء وإقدام لا ارتداد منه إلى وراء، وكذلك كان الشيخ نية وهمة وإقداما، في إطار من العلم والحجة والرأي المستنير. ثم عاد إلى نجد، ولكنه لم يطل المقام بها، فرغب في أن يرتحل إلى بعض البلاد العربية القريبة، طلبا للازدياد من العلم، ومعرفة أدواء الناس ليعد لها الدواء.
ومن رأي الإمام أحمد -رحمه الله- أن يظل طالب العلم مرتحلا أكثر منه مقيما، وقد سأله سائل: إذا لقيت في بلدي عالما يكفيني علمه أفأظل أو أرتحل؟ فقال الإمام: ارتحل فإن في الرحلة أنفاسا لا يشمها الطالب المقيم.