تقديم
كانت ثورة الإمام أحمد على ردة المعتزلة والجهمية نابعة من صفوف الأمة ضد ما انحرفت نحوه الدولة ورجالها من الأفكار التي تحطم الدين وتفرق الصفوف. ولم تكن ضد نظام الدولة ولا أمنها ولا مبايعة خلفائها.
وقد كان جديراً برجال الحكم أن يؤيدوها ويعتنقوا مبادءها لأنها كانت في عونهم على النجاة من التفكك والانحدار، غير أنهم عادوها وأخذوا بالتنكيل بها وأسرفوا غاية الإسراف.
ومهما يكن الخليفة المتوكل قد بدأ بإخماد الفتنة وعمل على إحياء السنة فإن الآراء التي تسربت إلى فكر الأمة لم يصبح من اليسير طردها ولا التخفيف من وطأتها، بل إنها لم تلبث أن أصبحت من أفلاذ علوم المسلمين التي اشتغلت بها مدارس علم الكلام.
وسارت الأفكار خليطاً من الصحيح والفاسد والنقي والكدر على مدى أزمنة طويلة فانطبع الناس عليها وصارت في جملتها كأنها دينهم الذي يدينون به. ولم يكن في قدرة الجهل والتأخر أن تعين العقول على التنقية لتسلم المعرفة، فمضى الأمر على سجيته حتى كان القرن السابع الهجري الذي نضجت فيه مدرسة حران.