منذ تولي المعتصم الخلافة، وبكثرة الفتن والقلاقل والانقسامات، ودخول الأجناس المختلفة في الإسلام -طغت موجات غريبة على الفكر الإسلامي الصافي اضطرت أهل الدين الحنيف إلى الوقوف عن الاجتهاد مخافة الخطأ والذوبان.
واختلف في البلدان الإسلامية وفي أراضيها الواسعة الرحيبة تصوير الإسلام بسبب اختلاف الأجناس والأخلاق والعقول والديانات التي كان يدين بها سكان هذه الأرضين قبل أن يسلموا، فتسربت إلى تصورهم أشكال منها وألوان، ولم تستطع رؤوسهم أن تطرح عنها ما علق بها من الديانات ولا ما لزم نفوسهم من العادات، فنظرت كل أمة إلى الإسلام من خلال تاريخها ونظمها ودياناتها ومن خلال لغاتها وتقاليدها وثقافتها وتربيتها، فاختلطت من كل ذلك الأفكار الدينية وصارت إلى تداخل وتعقد كبير1.
وكان كلما استتب أمر الاختلاط والامتزاج في الأفكار وتقادم عليه الزمن انتشر مبدأ التقديس لهذه الأفكار وما يجري بإيعازها من مظاهر وطقوس، دون تمحيص أو تنقية أو نقد تمشيا مع فكرة التقديس لكل ما هو قديم وتمسكا بما جرت عليه التقاليد2.
ومثل هذا الشعور الذي ينطلق على غير هدى محنة تعتري النفوس فتضعفها فتقبل في أثناء ضعفها التحلل وتفقد الشهوة إلى النهوض والارتقاء، ويستحيل المجتمع بهذه المحنة من رجاله ونسائه إلى عبد راضخ للواقع سليب الإحساس.
وكانت محنة المسلمين في غاشية ليلهم كذلك، أفقدتهم الشعور بأنهم