غاشية الليل

اضطراب الأفكار

منذ خمدت المعركة التي انتصر فيها أحمد بن حنبل وأنصار السنة على المعتزلة والجهمية وأضرابهم من الفرق المنحرفة وتباعدت بالمعركة الأيام رجعت الآراء إلى الاختلاط والامتزاج: آراء أصحاب الرأي وأقوال أهل السنة، وحين كثر أصحاب الرأي واشتطوا وقف لهم أهل السنة يردونهم بمثل أسلحتهم فنتج عن المشاحنات انسياب المياه من هاهنا ومن هاهنا إلى بحيرة واحدة ليس فيها ما يحجز تيارا عن تيار، ووجدت الأمة هذه المياه لجة صاخبة فاغترفت منها دون أن تفصل المزيج فتشرب الرنق الصافي وتلفظ الملح الأجاج.

ومع أن الخليفة المتوكل رفع المحنة وأبطل القول بخلق القرآن وناصر أهل الحديث والسنة1 فإن أثر مناصرته لم يدم طويلا، إذ ارتكب المتوكل نفسه -فيما عمل- كثيرا من الأخطاء، وابتدع أفانين الجور والانتقام من كل من ظن فيه السوء، وضد كل ما لم يرقه من الآراء، فكان أن أكسب كثيرا من القلوب حقدا وخلق فيها النية على كسر ما نصره من الأفكار2.وبسبب غلبة الترك والفرس والمغول على الدولة وعلى الجنس العربي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015