وعندئذ دوت طلقات المدافع من القلعة والجيزة وبولاق والأزبكية وكلها مواقع بالقاهرة ما عدا الجيزة فإنها على الشاطئ الغربي للنيل ولكنها متصلة بالمدينة -وانتشر المبشرون على بيوت الأعيان- ومن المسلم به أن يكون هؤلاء الأعيان من الأتراك وغيرهم من رجال الوالي- لأخذ البقاشيش.
وفي اليوم الثاني عشر -وكان اليوم الثالث من أيام التشريق وصل المرسوم بمكاتبات من ينبع ومن السويس، وكان وصوله قبل عصر ذلك اليوم، فهللت المدافع ودوت طلقاتها من كل جهة، واستمر تهليل الطلقات من العصر إلى المغرب، وأطلقت مدافع القلعة وحدها ألف قذيفة وصدر الأمر بإعداد الزينات داخل المدينة وخارجها، وأُمِرَ أن يُعَدَّ مهرجان كبير يسير في موكب من أهل الحرف والصناعات كافة، ونصبت السرادقات خارج باب النصر وباب الفتوح حتى يفد عليها المهنؤون.
فلما كان يوم الثلاثاء السادس والعشرون من هذا الشهر نودي على الناس بأن يزينوا الحوانيت والخانات وأبواب الدور ويشعلوا القناديل أمامها طول الليل، وأن يبذلوا من مظاهر اللعب والفرح والابتهاج ما هو جدير بأن يكافئ هذا الانتصار العظيم.
واستطرد المؤرخ الجبرتي يقول: وكل ذلك مع ما كان الناس فيه من ضيق الحال، وما صاروا إليه من الكد في تحصيل المعاش، ولم يكن عند أحد من العامة ما يسرج به بيته من أي نوع من أنواع الزيت، بل إن السمن شح وجوده وصار سلعة مهربة، لا يبيع منه الزيات أكثر من أوقية لمن لا يستطيع أن يرده من عملائه، أو لمن يغليه عليه وهو آمن.