وأقفلت مخازن القمح أبوابها وامتنع الخبز من الأسواق، فأغاث الوالي الناس بالقمح الذي أكله السوس يباع لهم على مكاييل صغيرة، وحين شكا الشاكون من أنهم لا يجدون زيتا دفع إلى الزياتين بمقادير قليلة منه تباع للناس على قدر ما يشعلون به قناديل الأفراح في الشوارع والبيوت وقدام الحوانيت" 1.

وهذا الذي قاله الجبرتي -وهو شاهد عيان- يصف به للأجيال صورة فرح زائف مفتعل وسط هم ثقيل مقيم. وما من بد في أن يكون الشعب المصري قد لقي فرجا وسط هذا التناقض، بإطلاق النكتة على طبيعته لينفس من كربه ويضحك مما هو فيه. ولكن مما يؤسف له أن المؤرخ الجبرتي لم يذكر شيئا من هذا الباب، ولعله خاف الحساب.

ولقد دكت الدرعية حقا وأخذ أهلها بعقاب أليم، ولكن الذي وقع عليه العقاب فيها كان من المباني والأجساد التي تزول، والزوال من طبعها، وحتى لو لم يكن زوالها بالحديد والنار.

ولكن هل زالت تلك التي سموها بالوهابية عن القلوب؟ وهل تزول حقيقة التوحيد الأبدية من النفوس التي تعرف الله أو يبطل ميراثها من جيل إسلامي بعد جيل، حتى ولو لم تبق إلا في سطور وحروف؟! والعصبية القبلية الضيقة التي تؤلف بين أفراد القبيلة مهما أوغلت عصبيتها في الشر، فهل في الإمكان أن تبيدها من النفوس حملة ظالمة تقهر وتمضي في زمن يجيء ويمضي؟ أو هل في الإمكان أن تبيد الحملات الظالمة عصبية موروثة زادتها العصبية للإسلام قوة وتمكينا؟!

ومن عجيب أحكام القدر أننا نكتب هذا الكتاب في عصر زالت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015