الناس، وكان يحيى يلقي دروسه في هذا المنأى عن الحواضر ويراسل بعلمه من أراد من علماء البوادي والأمصار.
ولم يجهل أحد أن اليمامة كان فتحها وقتل مسيلمة الكذاب في أيام أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في السنة الثانية عشرة من الهجرة على يد خالد بن الوليد عنوة، ثم صولحوا1. وهو أمر يبعث على الفخر والدهشة؛ أما الفخر فلأن مكانا من أمكنة الردة والدعوة الكاذبة قد أصبح مكان كثير مشايخ الفقه الإسلامي وأعلامه.
وأما الدهشة فلأنه لم يحدث مثله في عمرنا، ووسائل نقل العلم وغيره قد بلغت شأوا مذهلا، ولم يكن العالم حين ذاك قد كانت فيه وسائل للنقل سوى الإبل والدواب والسير على الأقدام.
وأعظم من الفخر والدهشة أن التعليم بالمراسلة -الذي عظم أمره في عصرنا- كان موجودا، ولم يكن مقصورا على تعليم الحروف والكلمات وأوائل العلم، بل كان قد بلغ القمة وتخرج فيه الأئمة. وهو يبعث على الرضا عن تلك العصور التي لم تأل جهدا في النهوض بالعلم وتيسير وصوله للراغبين برغم المصاعب والأبعاد.
ومن الغريب أن تكون البادية أحد مصادره، والبادية التي عبرت بسرعة مذهلة -لا تكاد تقاسم بالزمن- تاريخها الجامد القديم الذي وقف قبل الإسلام عند الفطرة والأمية والعناد، ثم لم تلبث أن أصبحت هكذا تصدر العلم للقرى والمدائن التي ترفل في المدنية منذ آلاف السنين ومن أمثالها أن صار يحيى بن أبي كثير يعلم عبد الرحمن بن عمرو