قوله: "كان أموال بني النضير ممَّا أفاء الله على رسوله" قال الشافعي وغيره من العلماء: الفيء كل ما حصل للمسلمين ممَّا لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، وقال أبو عبيد: حكم الفيء والخراج والجزية واحد، ويلتحق به ما يُؤخَذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتَّجروا في بلاد المسلمين، وهو حق المسلمين يعمُّ به الفقير والغني، وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية، وما ينوب الإمام من جميع ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، واختار البخاري أن مصرف الفيء راجع إلى نظر الإمام بحسب المصلحة وهو قول الجمهور، وقد قال الله - تعالى -: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] ، إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .
وفي الحديث جواز الادِّخار، وأن ذلك لا ينافي التوكل، وفيه جواز اتخاذ العقار واستغلال منفعته، والله الموفق.
* * *
الحديث الرابع عشر
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "أجرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمر من الثنية على مسجد بني
زريق، قال ابن عمر: وكنت فيمَن أجرى، قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل".
التضمير معروف، ومنه أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى، ثم يقلل علفها بقدر القوت، وتدخل بيتًا وتغشى بالجلال حتى تحمي فتعرق، فإذا جفَّ عرقها خف لحمها وقويت على الجري.