قوله: "كتب أبي"؛ أي: أمره بالكتابة "وكتبت له"؛ أي: باشرت الكتابة التي أمر بها.
قوله: ((لا يحكم أحدٌ بين اثنين وهو غضبان)) قال المهلب: سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوَز بالحاكم إلى غير الحق فمنع، وبذلك قال فقهاء الأمصار، وقال ابن دقيق العيد: فيه النهي عن الحكم حالة الغضب؛ لما يحصل بسببه من التغيير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه، وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كلِّ ما يحصل به تغيُّر الفكر من الجوع والعطش المفرطين، وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقًا يشغله عن استيفاء النظر، وهو قياس مظنة على مظنة.
قال الحافظ: لو خالف فحكم في حال الغضب صحَّ إن صادَف الحق مع الكراهة، وهذا قول الجمهور، وفي الحديث ذكر الحكم مع دليله في التعليم وكذلك الفتوى، وفيه شفقة الأب على ولده وإعلامه بما ينفعه وتحذيره من الوقوع فيما ينكر، وفيه نشر العلم للعمل به والاقتداء وإن لم يسأل العالم عنه، والله الموفق.
* * *
الحديث الخامس
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألاَ أنبكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) ، وكان متكئًا فجلس فقال: ((ألاَ وقول الزور، وشهادة الزور)) ، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
قوله: ((ألاَ أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا؛ أي: قال ذلك ثلاث مرات، كرَّره تأكيدًا لينتبه السامع على إحضار فهمه0.
قوله: ((الإشراك بالله)) تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود، فذكره تنبيهًا على غيره من أصناف الكفر.
قوله: ((وعقوق الوالدين)) العقوق صدور ما يتأذَّى به الوالد من ولده من قول أو فعل.
قوله: وكان متكئًا