وفي هذا الحديث من الفوائد إثم مَن خاصم في باطل حتى استحقَّ به في الظاهر شيئًا هو في الباطن حرام عليه، وفيه أن مَن ادَّعى مالاً ولم يكن له بيِّنة فحلف المدعى عليه وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في البطان وأن المدعي لو أقام بيِّنة بعد ذلك تُنافِي دعواه سُمِعت وبطل الحكم، وفيه أن المجتهد قد يخطئ وأنه ليس كل مجتهد مصيبًا، وإذا أخطأ لا يلحقه إثم بل يُؤجَر، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء.

قال الشافعي: فيه دلالة على أن الأمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، وأن قضاء القاضي لا يحرم حلالاً ولا يحلُّ حرامًا، اهـ.

وفيه أن التعمُّق في البلاغة بتزيين الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل مذموم، وأمَّا البلاغة فلا تذمُّ لذاتها وهي أن يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في قلبه، وقال أهل المعاني والبيان: البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة وهي خلوُّه عن التعقيد، وفيه موعظة الخصوم والعمل بالنظر الراجح وبناء الحاكم عليه.

فائدة:

قال الحافظ: نقل بعض العلماء الاتِّفاق على أنه لو شهدت البينة بخلاف ما يعلمه القاضي لم يجز له أن يحكم بما قامت به البينة.

* * *

الحديث الرابع

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة، وهو قاضٍ بسجستان: لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)) ، وفي رواية: ((لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015