الحاضرين.
وقال ابن العربي: حديث عليٍّ إنما هو مع إمكان السماع، فأمَّا مع تعذره بمغيب فلا يمنع الحكم، كما لو تعذر بإغماء أو جنون أو حجر أو صغر.
قال الحافظ: كلُّ حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الإفتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة، فيصحُّ الاستدلال بهذه القصة للمسألتين؛ يعني: مسألة القضاء على الغائب ومسألة الظفر، وقال البخاري: باب مَن رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند: ((خُذِي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) ، وذلك إذا كان أمرًا مشهورًا، اهـ، والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث
عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: ((إلا إنما أنا بشر مثلكم، وإنما يأتيني الخصم، فلعلَّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمَن قضيتُ له بحقِّ مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) .
"الجلبة": اختلاط الأصوات وارتفاعها.
قوله: ((إنما أنا بشر مثلكم)) أتى به ردًّا على مَن زعم أن مَن كان رسولاً فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم.
قوله: ((أبلغ)) ، في رواية: ((ألحن)) .
قوله: ((قطعة من النار)) كقوله - تعالى -: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] .
قوله: ((فليحملها أو يذرها)) الأمر فيه للتهديد كقوله - تعالى -: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ، قال ابن التين: هو خطاب للمقضيِّ له، ومعناه: أنه يعلم من نفسه هل هو محقٌّ أو مبطِل، فإن كان محقًّا فليأخذ، وإن كان مبطلاً فليترك، فإن الحكم لا ينقل الأصل عمَّا كان عليه.
ولأبي داود: فبكى الرجلان وقال كلٌّ منهما: حقِّي لك، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أمَا إذا فعلتما فاقتسما وتوخَّيَا الحق ثم استهِما ثم تحاللا)) .