بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفِي بنيك)) .

قولها: "شحيح"، في لفظ: "مسيك" بكسر الميم وتشديد السين، وبالفتح والتخفيف، والشح: البخل مع حرص وهو أعمُّ من البخل، قال القرطبي: قوله: ((خذي)) ، أمر إباحة، والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية، اهـ.

وفي الحديث جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك، وفيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء، وفيه جواز استماع كلام أحد الخصمين في غيبة الآخَر، وفيه وجوب نفقة الزوجة وأنها مقدَّرة بالكفاية، وهي معتبرة بحال الزوجين معًا؛ لقوله - تعالى -: {لِيُنْفِقْ ذُو

سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ ... } [الطلاق: 7] الآية، وفيه وجوب نفقة الأولاد بشرط الحاجة، واستدلَّ به على أن مَن له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقِّه بغير إذنه، وتسمَّى مسألة الظفر، وأن للمرأة مدخلاً في القيام على أولادها وكفالتهم والإنفاق عليهم، وفيه اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قِبَل الشرع، وفيه جواز القضاء على الغائب.

قال ابن بطال: أجاز مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وجماعة الحكم على الغائب واستثنى ابن القاسم عن مالك ما يكون للغائب فيه حجج كالأرض والعقار، إلا إن طالت غيبته أو انقطع خبرة.

قال الحافظ: واحتج مَن منع بحديث عليٍّ رفعه: ((لا تقضِ لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر)) ، وبحديث الأمر بالمساواة بين الخصمين، وبأنه لو حضر لم تسمع بيِّنة المدَّعي حتى يسأل المدَّعى عليه فإذا غاب فلا تسمع، وبأنه لو جاز الحكم مع غيبته لم يكن الحضور واجبًا عليه، وأجاب مَن أجاز بأن ذلك كله لا يمنع الحكم على الغائب؛ لأن حجته إذا حضر قائمة فتسمع ويعمل بمقتضاها ولو أدَّى إلى نقض الحكم السابق، وحديث عليٍّ محمول على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015