سُورَة الْملك فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشرى رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بقسطنطينية الرّوم
عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد مفتي الدولة العثمانية الْمُحَقق الشهير أحد أَعْيَان عُلَمَاء الزَّمَان الَّذين ابتهجت بهم الْأَوْقَات وتزينت بحلى مآثرهم الْأَيَّام رَحل فِي مبدأ أمره من بَلَده ادنه إِلَى بِلَاد الأراد وَقَرَأَ بهَا الْعُلُوم الْحكمِيَّة والرياضية والطبيعية والإلهية على الْمولى أَحْمد المنجلي وَالْمولى حُسَيْن الخلخالي وَالْمولى مُحَمَّد أَمِين بن صدر الدّين الشرواني وفَاق فِي الْمعرفَة والاتقان ثمَّ اعتني بتتميم الْمَادَّة حَتَّى اجْتمع فِيهِ من الْفُنُون مَا لم يجْتَمع فِيمَا سواهُ مِمَّن عاصره وَكَانَ فِي جَمِيع أجواله مثابراً على التَّحْصِيل لَا يمل وَلَا يفتر وَحكى لي بعض من لَقيته من عُلَمَاء الرّوم قَالَ كَانَ كثيرا مَا ينْقل أمرا عجيباً وَقع لَهُ فِي إبان طلبه ويعجب مِنْهُ وَذَلِكَ أَن أحد أساتذته كَانَ امتحنه بِعِبَارَة وَأَظنهُ قَالَ إِنَّهَا فِي التَّفْسِير وَقَالَ لي اذْهَبْ هَذِه اللَّيْلَة إِلَى حجرتك ودقق النّظر فِي هَذَا الْمحل وَفِي غَد أَتكَلّم مَعَك فِيهِ قَالَ فَذَهَبت إِلَى حُجْرَتي وَكَانَ رجل من سكان الْمدرسَة الَّتِي كَانَ مسكني فِيهَا يتَرَدَّد إِلَيّ ويخدمني فَوضعت الكاغد قدامي وَجَلَست أنظر فِيهِ وَكَانَ ذَلِك الرجل يأتيني بالمأكل وَالْمشْرَب فأستعمل مِنْهُ وحررت على ذَلِك الْمحل رِسَالَة من أنفس مَا يكون ثمَّ جَاءَنِي الرجل وَقَالَ لي حَسبك من هَذَا النّظر فَسَأَلته عَن الْوَقْت فَقَالَ لي الْيَوْم كَذَا وَأَنت لَك الْآن عشرَة أَيَّام على هَذِه الْحَالة قَالَ فَقُمْت وَأَنا متعجب فِي ذَلِك وفكرت فِيمَا قَالَه فرأيته حَقًا وَمثل هَذَا لَا يستبعد عَن مثله وَبعد مَا برع رَحل إِلَى الرّوم وَحكى وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته قَالَ لما وردهَا لم يجد بهَا من يعرفهُ فاضطرب ثمَّ ذهب إِلَى جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد فَرَأى رجلا من سكان الْمدَارِس الثمان فَأنى بِهِ ثمَّ دَعَاهُ الرجل إِلَى حجرته وَبَات عِنْده تِلْكَ اللَّيْلَة وانجر مَعَه فِي أثْنَاء المكالمة إِلَى ذكر مَا وَقع لَهُ من الوحشة وشكى إِلَيْهِ رقة حَاله فسلاه ثمَّ قَالَ لَهُ إِنِّي كنت الْيَوْم عِنْد الْمولى عبد الْعَزِيز بن الْمولى سعد الدّين فَذكر أَن وَلَده مُحَمَّد البهائي قد تهَيَّأ للمذاكرة واستعد للْقِرَاءَة وَطلب مني استاذاً فلعلك تكون ذَلِك فانجلى عَن صَاحب التَّرْجَمَة مَا كَانَ يجده من الْغم وَلما أصبحا توجه الرجل إِلَى الْمولى الْمَذْكُور وأصحب صَاحب التَّرْجَمَة مَعَه وَعرف بِحَالهِ ونوه فصيره الْمولى عبد الْعَزِيز معلما لوَلَده الْمَذْكُور فاهتم بتعليمه الْفُنُون حَتَّى نبل وساد ثمَّ بعد مُدَّة لَازم على قاعدتهم من الْمولى الْمشَار إِلَيْهِ وَحج فِي خدمته سنة